الولايات المتحدة تقصف أهدافا في العراق من الجو ، و هي فاعلة على الأرض من خلال وجود المئات من قواتها الخاصة، و تستطلع أهدافا لقصفها في سوريا . من هو العدو الذي تهاجمه الولايات المتحدة الآن ؟ من خلال الحكم على المناقشات السياسية التي تجري داخليا
الولايات المتحدة تقصف أهدافا في العراق من الجو ، و هي فاعلة على الأرض من خلال وجود المئات من قواتها الخاصة، و تستطلع أهدافا لقصفها في سوريا .
من هو العدو الذي تهاجمه الولايات المتحدة الآن ؟ من خلال الحكم على المناقشات السياسية التي تجري داخليا ، فان الجواب ببساطة هو " في الحقيقة نحن غير متأكدين تماما" . هذه الحقيقة تسلط الضوء على البعد المذهل لظهور و قوة الدولة الإسلامية. هناك القليلون من خارج قيادتها ممن يعرفون الكثير عنها و عن ستراتيجيتها و أهدافها الفعلية . ما يعرفه الجميع هو اننا نواجه مجموعة شريرة عنيفة مكونة من عشرات الآلاف من الرجال اقتطعت لنفسها قاعدة إقليمية في منطقة شمال شرق سوريا و شمال غرب العراق ، و انها مستمرة في القيام بغزوات عسكرية محدودة في المناطق الواقعة على أطراف الأراضي التي تسيطر عليها في كلا البلدين .
الجدل يتركز اليوم حول على من نلقي اللوم في السماح بتطور ظاهرة الدولة الإسلامية و تهديدها، و الى أي مدى ستتوسع ، و حجم الدعم الذي تتمتع به من البلدان التي لم تستولِ على مناطق فيها ؟
كل هذا يعتبر مهما ، الا ان الجانب الأكثر رعبا لظاهرة الدولة الإسلامية هو ليس الشباب المتطرف الذي ينجذب لنداءاتها، و انما العوامل في المنطقة العربية و ما وراءها التي سمحت بظهورها للوجود في المقام الأول – عوامل لاتزال تؤطر مناطقنا المتعبة اليوم . الدولة الإسلامية هي ظاهرة حية و متوسعة و ان العوامل التي تدعو الناس للانضمام اليها لازالت فاعلة في العديد من البلدان . لذا فان التحدي الذي نواجهه جميعا هو ان نحدد بشكل صحيح تلك العوامل التي ولّدت التركيبة الفكرية التي دفعت الشباب للانضمام الى مثل هذه الحركات و الانخراط في نوع البربرية التي تنشرها الدولة الإسلامية اليوم في أشرطتها و في وسائل الإعلام الاجتماعية .
في هذا المجال، لا شك ان أهم سبب في ولادة و انتشار التركيبة الفكرية للدولة الإسلامية هو لعنة الدول العربية البوليسية الحديثة التي كانت منذ سنوات السبعينات تعامل مواطنيها على انهم أطفال بحاجة الى ان يتعلموا الطاعة و الخنوع قبل كل شيء . كما ان هناك عوامل أخرى لعبت دورا في المأساة الحديثة للدولة في انحاء العالم العربي بما في ذلك تهديد الصهيونية و الاستيطان الإسرائيلي العنيف و التدخل الأجنبي المستمر و الهجمات العسكرية من قبل القوى الخارجية بما فيها الولايات المتحدة و بعض الدول الأوربية و روسيا و إيران .
السؤال المحيّر في كل هذا هو لماذا لم تسبّب هذه الظاهرة المتطرفة انهيارا كارثيا للدول الحالية بوقت مبكر. منذ عام 1970 تقريبا ، كان المواطن العربي يعيش داخل أنظمة سياسية و اقتصادية و اجتماعية لم توفر شيئا من المساءلة و الحقوق السياسية و المشاركة العامة، حيث تتميز هذه الدول بالفساد و بخلل وظيفي متوسع مستمر، و فوارق اقتصادية دفعت أغلبية المواطنين الى ان يعيشوا في فقر مدقع، و تقاعس مهين و فشل في مواجهة تهديدات الصهيونية و طموحات الهيمنة الأجنبية. كما انها منعت تطوير امكانيات الفرد في مجال الفكر و الإبداع و الثقافة و الهوية .
ظاهرة الدولة الإسلامية هي أحدث المحطات – و ليست آخرها – في رحلة الإذلال الجماعي العربي و التجريد من الإنسانية، التي تديرها في المقام الأول الأنظمة الاستبدادية العربية التي تدور حول عائلة أو عشيرة واحدة بدعم كبير مستمر من الدول الأجنبية الراعية لها . لقد تفاقم هذا التوجه، و كذلك العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين و غيرهم من العرب. لكن أكبر دوافع التطرف الإسلامي الإجرامي الذي نشهده في هذه الظاهرة هو مأزق مئات الملايين من العرب – رجالا و نساء و جيلا بعد جيل – ممن يجدون انهم غير قادرين داخل مجتمعاتهم على تحقيق إنسانيتهم أو طاقاتهم الكاملة ، أو ممارسة حقوقهم في الفكر و الإبداع، أو في كثير من الحالات الحصول على متطلبات الحياة الأساسية لعوائلهم .
تعابير الحيرة التي نسمعها اليوم من الكثير من السياسيين العرب و الأجانب أو من محللي وسائل الإعلام حول سبب ظهور الدولة الإسلامية و الإجراءات المطلوبة حيال ذلك، تخلو من المصداقية أو التعاطف ؛ فالبعض من الذين يشتكون من تهديد الدولة الإسلامية كانوا مشاركين بشكل مباشر في أفعال ساعدت على ظهورها، ( دول عربية بوليسية فاسدة ، اجتياح العراق ، و دعم كامل لإسرائيل ) .
هناك ترياق واحد فقط على المدى البعيد للقضاء على الدولة الإسلامية و كل ما تمثله؛ هو التوقف عن إتباع السياسات التعسفية و الإجرامية التي أذلّت الملايين من العرب المحترمين رجالا و نساء، و التي أطّرت البلدان العربية على مدى نصف القرن الماضي.
ان قصف العراق و سوريا سيكسب بعض الوقت، و ربما يجب ان يحدث مع إجراء عسكري جاد من قبل القوات العربية و الكردية المحلية. لكن مع ذلك، اذا لم تتغيّر أساليب الدولة البوليسية العربية الحديثة الفاسدة تغييرا جذريا، فان اليأس الشامل و الهستيريا التي تمثلها الدولة الإسلامية سوف تظهر مرة أخرى بأشكال أكثر تطرفا .
عن: ديلي ستار