ورثنا، نحن العراقيون، وطناً فقيراً، دولة فاشلة، شعباً محطماً يفتقر حتى إلى الأمل، وبلداً بلا مقومات ولا أحلام.
الإرث، اليوم، أثقل بإرهابيين طائفيين يحتلون ثلث البلد تقريباً، وإرهابيين بالمقابل من طائفة سائدة وحكومة عاجزة حتى عن الإعلان عن نفسها، وتراكمات التاريخ والجغرافيا لم تسفر إلا عن رماد كثيف في الأرواح والعقول ومجتمع الدولة/ اللا دولة وفي الشوارع والمدارس والمشافي والسوق وغرف النوم.
هل كان علينا أن نبقى في وطننا لنكرس ثقافة الاستشهاد؟
هل كان علينا أن نهرب خارج وطننا لنحافظ على كرامتنا المهددة؟
في الحالين لسنا سوى فضيحة.
شخصياً لم أضع صليباً واضحاً للعيان في عنقي كي أثبت للبريطانيين خجلي من ديني الإسلامي، فهم يعرفون أوادمهم، ولم أضع صورة لالش على زجاج سيارتي لأتضامن مع إخوتي الإيزيدين ولا أشهد بشهادتين سنية و شيعية لأبدو وطنياً عراقياً عابراً للطوائف، فأنا – ومن يشبهونني – لست سوى شخص طبيعي لا أزايد على أحد ولا أحاول الظهور بأكبر من صورتي ولا أنفخ مبادئي لأتماشى مع دولة ما، حتى في مجتمع إقامتي البريطانية. الإنكليز لا يحترمون من يتنكر لانتمائه وتاريخه وأحلامه الوطنية.
حتى تاريخي مع الأنصار الشيوعيين لا "أستعمله" لأعلن عن كفاحي ضد دكتاتورية صدام حسين في ثمانينات العراق الميؤوس منه.
بيني وبين نفسي استعرض تاريخاً ليس بالشخصي كي أقارن بيني وبين وجاري الإنكليزي، ولم أحاول أن أتقمص شخصية المؤرخ لأكتشف وجهي العراقي منذ مقتل الملك فيصل وعائلته وحكومته وكيف جرى التمثيل بجثثهم في شوارع بغداد بطريقة مخلة بالشرف، ثم ما جرى لعبد الكريم قاسم في كمين الإذاعة العراقية – في ستوديو الموسيقى، للمفارقة – الكمين الذي أعده البعثيون بطريقة المافيا، وما ارتبط بالجريمة / الانقلاب من حرب على كل من ليس معهم لأنه ضدهم ثم اعتقال سلام عادل ورفاقه وقتلهم تحت التعذيب.
أكثر من نصف قرن من الدم جراء الصراع على السلطة وليته دم المتصارعين عليها فقط، إنما هو دمنا الموصول بجنازير الدبابات والراكض على الإسفلت من غرفة الدرس إلى قصر النهاية ومن كوخ في الشاكرية إلى بيتي في لندن، ومن فيصل الأول إلى نوري العبادي (الرجاء عدم تصحيح الاسم) ومن بدر شاكر السياب حتى عواد ناصر ومن فلفل كرجي حتى كاظم الساهر.. وما هو إلا تاريخ الدم المسفوح على مدار الساعة.
إنها فضيحتنا لأننا لم نصن حريتنا الفردية ولم ندافع عنها حتى بالكلام المجرد.
فضيحة النخبة والعامة معاً.
النخبة التي لم تؤد واجبها كما يجب لأنها لم تقل الحقيقة كاملة.. لم تقل للقاتل أنت قاتل رغم ما أبدته من دموع مسفوحة على جثة القتيل.. صرنا نعرف القتلى بالأسماء ولم نعرف اسم القاتل.. وإن عرفناه لم نشخصه ونشير إليه وندينه بالاسم والصورة والملامح وبصمات الأصابع.
فضيحة العامة لأنها لم تبتكر أسلوبها الجمعي في التعبير عن كرامتها.
ربما قال بعضنا بهذا.. لكن "البعض" قالوا به في الجريدة السرية والاجتماع المختبئ والجلسة العائلية.. لم يبلغ صوتنا إلا حواريي المسيح العراقي.
كان على النخبة أن ترسم المشهد كما هو بلا ترميزات ولا اختراعات بلاغية في صحف وإعلام القاتل التي كانت تدفع مكافآت مالية لمقالاتنا ونصوصنا وقصائدنا!
فضيحتنا ليست احتمال الموت إنما الموت بعينه.
موت الحقيقة الماثلة لكي لا نموت.
الخوف كان هو من يكتب لا الشجاعة.
انقسمت ثقافتنا إلى ثلاثة أقسام:
الأول هو ثقافة الـ (نعم) الأكثر رواجاً.
الثاني هو ثقافة (البين بين) الأقل رواجاً.
الثالث هو ثقافة الـ (لا) المعدومة تماماً.
لم تزل هذه الثقافات ماثلة حتى اليوم مع الأسف.
فضيحتنا كلنا
[post-views]
نشر في: 1 سبتمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ابو اثير
أستاذي القدير... مقالتك أفجخت دماغ وعقل كل مواطن غيور على العراق ..فقد أصبت من أن العلة فينا وفي دواخلنا وعقولنا الباطنية ولم نخرج بها الى العالم الظاهري وبقينا نذرف الدموع والشكاوي وألأحتجاجات همسا أو كتابة خجولة مبطنة المعاني وألأهداف ولا نقولها طك بطك
قيس لطيف
نعم,(اننا لم نصن حريتنا الفردية ولم ندافع عنها حتى بالكلام المجرد) . نعم(النخبة التي لم تؤد واجبها كما يجب لأنها لم تقل الحقيقة كاملة , لم تقل للقاتل انت قاتل) صَدقت عزيزي عواد ناصر . وعينا بالمعنى الواسع للكلمة لم يكن مكتملاً , بل كان منقوصاً, وما زال وع