مثيرٌ للكثير من التساؤلات موقف واشنطن من تنظيم دولة الخلافة المُتطرف، حيث تحركت الطائرات الأميركية بنشاط ملحوظ، فوق سماء العراق دفاعاً عن الحلفاء الكرد بالدرجة الأولى، وهذا موقف أخلاقي مشكور، كما تحركت متثاقلة ضد الدواعش في باقي أنحاء العراق، بانتظار حسم مسألة تشكيل حكومة جديدة، تستجيب لمطالب المكون السني، وأحجمت عن أي تحرك ملموس فوق الأراضي السورية الواقعة تحت حكم الدولة الإسلامية، وهي بذلك توضح لكل صاحب عينين، موقفها الانتقائي من هذا التنظيم الإرهابي، وبأنها تتحرك ضده في موقع، وتحجم عن ذلك في مواقع أخرى، وبمعنى أنها لا تحاربه لذاته أو لظلامية ورجعية وتطرف أفكاره، بقدر ما تستغل كل ذلك لتحقيق مصالحها.
قد يكون هناك بعض التفهم، لإحجام صانع السياسة الأميركية عن التعاون مع نظام الأسد ضد الدواعش، غير أن المعروف أن هذا التنظيم، يبسط اليوم سيطرته على أراض كانت خارج السيطرة الكاملة للنظام، وانتزع السيطرة على معظمها من قوات مناوئة للأسد، واليوم يقع السوريون فيها تحت وطأة تطرف داعش ودمويتها، لكن المستغرب هو نسج الدول الأوروبية على المنوال الأميركي، حيث أصدر قادة الدول الأوروبية قرارات تندد بالعنف السائد في العراق وسوريا، وأعلنوا دعمهم لتقديم المساعدة العسكرية للعراق في مواجهة داعش، لكنهم أكدوا أن عدم استقرار سوريا، والحرب التي يشنها نظام الأسد، هي التي سمحت بتنامي هذا التنظيم الإرهابي، وبمعنى أنهم غير معنيين بمحاربته في سوريا.
تشهد السياسة الأميركية ارتباكاً واضحاً، خصوصاً عند مراجعة تصريحات أوباما الأخيرة، اذ كشف فيها عن انعدام استراتيجية واضحة لإدارته، حول التعامل مع داعش على الأراضي السورية، ذلك بالطبع لا يرضي صقور الجمهوريين، المندهشين من أسلوب البيت الأبيض، في التعاطي مع تهديدات داعش، وهي لا تقتصر على مناطق تمددها الراهنة، وإنما تطاول عواصم الغرب كافة، ولن يكون مُجدياً التعامل معها بالوسائل الدبلوماسية، ولو كان ذلك من خلال استراتيجية شاملة، كما يقول البيت الأبيض، ما يثير أكثر من سؤال عن جدوى تلك الخيارات مع تنظيم فائق التطرف، يسعى لإقامة دولة الفتح والترهيب وقمع الآخرين.
استجمع أوباما شجاعته، فأمر بطلعات استطلاع جوية فوق سوريا، لعله يخفض حدة الانتقادات لإدارته، إثر مشهد نحر الصحفي الأميركي جيمس فولي، ما أثار تكهنات بأنه على وشك توسيع نطاق القتال ضد داعش من العراق إلى سوريا، غير أن المراقبين سرعان ما استعادوا تراجعه عن تهديده، بشن ضربات جوية ضد النظام السوري قبل عام، لمعاقبته على استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، واتبع قرار الطلعات الاستطلاعية، بالطلب من وزير دفاعه إعداد مجموعة من الخيارات لمواجهة داعش، وأعلن أن وزير خارجيته سيسافر إلى المنطقة، للمساعدة في إقامة تحالف ضد التنظيم المتشدد، والهدف كما يقول ضمان دحر المكاسب التي حققتها دولة الخلافة في العراق، والتأكد من أن هذا التنظيم لا يكتسح العراق.
واضح أن أوباما يسعى لترك الباب موارباً، لاستمرار الفوضى في سوريا إلى ما لا نهاية له، ما يعني عدم رغبته في استئصال التنظيم المتطرف بالأراضي السورية، في المدى القريب على الأقل، استناداً الى فرضية ان هذا التنظيم صنيعة النظام، الذي يخسر يومياً المزيد من الأرض لصالح دولة الخلافة، لكنه يُكابر معتمداً على وهم السيادة، فيعلن أن القضاء على التنظيم لا يكون إلا بالمرور عبر بوابة النظام، ويتجاهل الطرفان أن داعش أخطر من ان تترك للمناورات السياسية، وأن خطرها لن يتوقف عند حدود بلاد الشام، والوقائع تثبت ذلك.
"الأعدقاء".. أوباما والبغدادي
[post-views]
نشر في: 1 سبتمبر, 2014: 09:01 م