لست ممن يتحدثون عن برلمان ميت، فقد بقيت طوال الدورة الماضية اتحدث بأمل كبير عن محاولة مجلس النواب اثبات قوته التشريعية والرقابية. وفي اطار محاولاته تلك ولدت نواة تصحيح مهمة عابرة للطوائف، نقطف اليوم بعض ثمارها وسط كل الألم. وكلما كان رئيس الحكومة السابق يتحدث بغضب عن البرلمان، كلما كنا ننتبه الى ان هناك شيئا صحيحا يحصل داخل السلطة التشريعية، ببطء وتلكؤ وكومة اخطاء، ولكنه يحصل.
اما هذه المرة فان لدى مجلس النواب فرصة "ولادة جديدة"، داخل لحظة سبايكر، المجزرة المؤلمة لا بدمويتها وبشاعتها ونوعها وحسب، بل لأنها تحرج الجميع، داعش والحكومة، الطوائف والناس. ان قضية سبايكر ليست مجرد مجزرة، بل حكاية يمكن ان تتكشف من خلال تفاصيلها كل الوان الفشل التي منينا بها كأمة وكنخبة سياسية طوال اعوام.
الناس يطلبون الآن معرفة ما حصل في سبايكر، لا مجرد تجريم داعش وكل من ساند داعش في الجريمة. وهذه نقطة شجاعة استوعبها الناس قبل الساسة: نريد ان نعرف كيف تدير الحكومة ملف الدماء والاهمال في حفظ الدم، كما نريد بالضبط ان نعرف مجرمي داعش ومسانديهم.
الرأي العام يقول اليوم كلاما فيه كثير من البدايات الصحيحة للعهد الجديد: نحمل مسؤولية كبيرة لوزير الدفاع وللقائد العام. وهو يتحدث عن قائد رفض ان يمثل وجها لوجه أمام ذوي الضحايا، وحصل على "تعهدات سياسية" بأنه لن يتعرض لحساب ولوم.
ان هذه النقطة لن تتوضح بما يكفي، الى ان ننجح في معرفة تفاصيل حساسة من ملف سبايكر. اذ لا جديد في كون داعش مجموعة مجرمة، ولا جديد في حصولها على مساندة من فلول صدام حسين، وهؤلاء لا يمثلون السنة، بل عصابات مجرمة تقتل ايضا السنة الصامدين امام داعش في الضلوعية وحديثة، وتقوم بتصفية متواصلة ومؤلمة ايضا لعوائل سنية عملت داخل تنظيم الصحوات وضحت وساهمت في صناعة الاستقرار بعد ٢٠٠٧، ثم وجدت نفسها الان وجها لوجه امام سيوف داعش، ووجها لوجه ايضا امام خذلان وفشل حكومي مرير.
لا جديد في ان نحاول فهم مستوى الاجرام لدى داعش، من سنجار الى جرف الصخر، لكن الجديد هو ان يتيح البرلمان فرصة كبيرة، لفهم "الخذلان الحكومي" لضحايا سبايكر، ونوع الاهمال الرهيب الذي حصل مرارا ولم ننجح في محاسبته، الى ان حصلت فاجعة سبايكر، التي تصلح ان تكون حكاية لكل انواع الفشل الذي رفض لثمانية اعوام، ان يمثل امام استجواب نيابي.
وحتى هذه اللحظة، يبلي مجلس النواب بلاء حسناً، ويضع نواة للفهم، ويتيح فرصة كي نسمع من الناس، وكي نسمع كذلك تلعثم قادتنا الأمنيين، وهو تلعثم النظام السياسي برمته. لكن القصة لن تتوقف هنا، ولن ننجح في فهم شيء، قبل ان نفهم الاربعة وعشرين ساعة التي سبقت مجزرة سبايكر: فما الذي حصل في الموصل، وكيف تحقق الانهيار الغامض، ولماذا تمر ثلاثة أشهر والقيادة لا تقدم توضيحاً يذكر؟
ان الاصرار على معرفة المذنب في المجزرة، والتي تشمل القتلة وتشمل المهملين الذين فشلوا في حماية جيشنا وحمايتنا، هو اصرار على معرفة ألغاز ٩ و ١٠ حزيران، يوم سقطت عشرات المدن والقصبات بلمح البصر، وسال دم كثير من كل الطوائف، وجرى تهجير نحو مليوني عراقي هم اليوم بلا مأوى ولا مال، ينتظرون مصيرا مجهولا وشتاء قاسيا ببرده وضياعه.
والاهم ان فرصة المعرفة والمحاسبة هذه، بكل شمولها، هي تحت قبة مجلس النواب، الذي في وسعه ان يحصل على "ولادة جديدة" لسلطته وصلاحياته ونفوذه، ان هو واصل ملاحقة الامر، بهذه العلنية وهذه الادارة الجيدة من قبل رئيسه سليم الجبوري، مع توفر شعور بالتواضع امام صرخات الموجوعين بالحدث.. واستعداد لسماع اقسى كلماتهم وانفعالاتهم.
البرلمان وسبايكر
[post-views]
نشر في: 3 سبتمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 3
ابو سجاد
انا ليس معك ستنتهي المسالة بتحميل احد الاطراف مسؤولية سبايكر مقابل ملايين الدولارات وسيقبل اصحاب الضحايا بتعويضات بسيطة وسيفلت المسؤول المباشروهو المختار من القضية وينتهي كل شى كما انتهت قضايا كبيرة من قبل ولاتحاول ان تمجد اعضاء البرلمان فانهم هم انفسهم م
مصطفى جواد
حين حصل استقرار نسبي بعد 2007 وبدأ العراقيون يتنقلون بين المحافظات ليلا وكان للقوات الدولية دور كبير فيها ولكن المشكلة ان الحكومة لم تستثمر الاستقرار بالتوجه نحو تنمية فعلية ومشروع اسكان انفجاري كان من الممكن ان يلتف حوله العراقيون ولكن بدل ذلك ترك الفاس
جليل اسماعيل
من البدء لم نعول على مجموعة من السرق والوصوليين الذين تسلقوا على اكتاف البسطاء للوصول الى السلطةانهم مجموعة من مزيج غير متجانس همهم الاول والاخير الاستحواذ على كل انواع مغانم السلطة ولايوجد مايشغلهم عن ذلك