حين تدعو أسرة الصحافي الأميركي ستيفن سوتلوف، الذي نحره أمام الشاشات وبوحشية بارزة وبدم بارد مقاتل داعشي، الخليفة المزعوم أبو بكر البغدادي إلى مناظرتها حول تعاليم الإسلام السمحة، وتؤكد أن ابنها حاول إيجاد الأفضل في عالم مليء بالسواد، فمعنى ذلك أن بين غير المسلمين من يفهم هذا الدين السمح على حقيقته، وأن من يدعون الدفاع عنه ليسوا أكثر من رعاع يرفعون رايات لا يؤمنون بها، وينتقون من القرآن آيات يجتزئون منها ما يناسب أهواءهم، ويجذب إلى تنظيمهم كل مختل، وإن لم يكن مسلماً ولكنه من هواة الذبح وأعداء الإنسانية.
الصحفي الذبيح لم يكن أكثر من باحث عن الحقيقة، وقد أكد عارفوه أنه لم يكن محبًا لجو الحروب، لم يتشبه بلورانس العرب، كان يحب كرة القدم الأميركية والوجبات السريعة ومسلسلاً تلفزيونياً، ويعشق رياضة الغولف، باختصار كان إنساناً سوياً أخذته مهنة المتاعب إلى منطقة لم يكن راغباً بزيارتها، وأوقعه حظه البائس بين يدي مجموعة همجية، لا تتقن غير فن الذبح وحز الرؤوس، وتفخر بأن ذلك يقود أفرادها إلى الجنة، حيث تنتظرهم الحور العين وأعدادهن بالمئات، كما يبشرهم بذلك بعض الشيوخ، الذين لايعنيهم من الإسلام غير ما بين أفخاذهم.
لو كانت داعش تسير على نهج الإسلام، لابتعدت عن هكذا جرائم بشعة، أثارت ردود فعل ضد هذا الدين حتى عند بعض المسلمين، الذين فتشوا في القرآن عن تبريرات داعش لهمجيتها، حتى أن بعضهم رأى في الحديث عن سماحة الإسلام وكأننا نتحدث عن دين آخر، مستذكرا الفتوحات الإسلامية، باعتبارها استعماراً استيطانياً وثقافياً شرساً، احتل بلاد الغير وأجبرهم على الإسلام، واستحضر بعضهم هتافاً رُفع في فرهود بغداد، حيث قُتل يهود العراق وهم يحذرون المسيحيين بأنه "بعد السبت يجي الأحد"، أي أن المسلمين سيقتلون المسيحيين بعد اليهود، فهل فكر الدواعش بهذه النتائج على الدين الذي يزعمون الدفاع عنه، أم ارتكبوها بقصدية واضحة؟
أهل سوتلوف وبالرغم من كل خزعبلات دولة الخلافة، يعتبرونه شهيداً في سبيل الله، باعتبار أن الشهادة في المسيحية هي أن تشهد بأعمالك الصالحة بصلاح الإله الذي تعبده، ولا تنكره إذا طُلب منك ذلك مقابل رقبتك، وهم على ثقة أن القتلة عرضوا عليه الإسلام مقابل رقبته، وكان لنجاحهم في أسلمته أن يثير عواطف البهجة عند كثير من المسلمين، حتى لو ردد كلمات لا يفهم معناها، وهم يرون في ذلك أن التاريخ يعيد نفسه، حيث اضطهد أباطرة الرومان، المسيحيين الذين صمدوا وهم لا يحملون غير الحب، وهم أقوى من حملة السيف، ما دعا مضطهديهم للإيمان بما يحمله هؤلاء من محبة وتسامح.
زميل الذبيح كان مثالياً، وهو يخاطب البغدادي متحدياً أن يناظره علناً عن الإسلام، ومحذرا له بالويل إن أتى على ذكر وهو يفتقدها، ومذكراً وهو المسيحي، خليفة المسلمين المزعوم بأن "الله لا يحب المعتدين"، وقال إن ستيفن الذي نقل قصص الأطباء النفسيين، الذين عالجوا الأطفال في مصراتة الليبية، والسبّاك السوري الذي خاطر بحياته تحت القنص لجلب الأدوية، كان يجازف بحياته لنقل قصص مثل هؤلاء الناس إلى العالم أجمع، وهو رغم معاناته في الأسر، لم ينكسر وكان مثالًا يحتذى به بين أصدقائه في السجن، مع وعد نبيل بأن أسرته وأصدقاءه لن يسمحوا لهمج الدواعش بأخذهم رهائن للسلاح الوحيد الذي بحوزتهم، وهو الرعب.
هنيئاً لدولة الخلافة انتصارها على أسير أعزل، وعلى إخراجها مشهد نحره بطريقة تؤكد الهمجية، وتُلصقها بالإسلام الذي أكد على المعاملة الحسنة للأسرى، وحرّم حتى قلع شجر العدو. ".
هل يناظر الخليفة مسيحياً عن الإسلام؟
[post-views]
نشر في: 5 سبتمبر, 2014: 09:01 م