TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > ‏ماركس وأنجلس: صداقة في نور الفكر والحياة (1 ـ 2)

‏ماركس وأنجلس: صداقة في نور الفكر والحياة (1 ـ 2)

نشر في: 7 ديسمبر, 2009: 04:19 م

سعد محمد رحيم بعد سنتين من ولادة ماركس (1818) ولد في بارمن الألمانية فردريك أنجلس (28 نوفمبر/ تشرين الثاني 1820) في أسرة غنية، محافظة أرثوذكسية. ولم يُكمل دراسته في كلية إيبرفيلد، فتركها قبل سنة واحدة من تخرّجه لينخرط في الحياة العملية. ومثل ماركس رغب أنجلس في أن يكون شاعراً لكنه اكتشف مبكراً، أيضاً،
أنه يفتقر إلى الموهبة التي هي الشرط الأولي ليكون أي امرئ شاعراً عظيماً. وكان فيه، في هذه المرحلة، بعض الطيش؛ يُكثر من الشراب، مع انشداد للحياة ومتعها الحسية. غير أن هذا الأمر لم يستغرقه كلياً. فقد كان حريصاً على الاغتراف من منابع الأدب والثقافة، ميالاً إلى الروح الجديدة في الأدب بممثليها بيك وغرون ولينو وإيمرمان وبلاتن وبورن وهاينه وغتزكوف. وله في رسائله تعليقات طريفة بهذا المضمار. تحدر أنجلس من بيئة ذات تقوى دينية، وتشرب في طفولته تقاليد الأرثوذكسية ومعتقداتها. غير أنه سرعان ما دخل في صراع مع نفسه حينما بدأت الشكوك تساوره بوقوعه مثل أبناء جيله تحت وطأة التأثير الفكري الساحق لهيغل. رافضاً، وبحسب تعبيره، النزول من القمم المغطاة بالثلج بروعة شمس الصباح إلى وهاد الأرثوذكسية الضبابية. وانفصاله عن الكنيسة أدى به كما يؤكد فرانز مهرنغ إلى الهرطقة السياسية: "لا أتوقع شيئاً جيداً من أمير إلاّ ذاك الذي شجت ضربات الشعب رأسه وتحطمت نوافذ قصره بالثورة". هذا ما يقوله تعقيباً على خطاب أحدهم في مدح ملك بروسيا. وشرع يدبج المقالات ويرسلها إلى مجلتي (دويتشه ياربشر) و (راينخه تزايتونغ). ولكي لا يغيظ عائلته المحافظة اتخذ اسماً مستعاراً هو (فردريك أوزوالد). ونشر كراساً من خمس وخمسين صفحة (لم يحمل اسم مؤلفه) ضد شيلنغ الذي عمل على طرد الفلسفة الهيغلية من جامعة برلين. وكتب روغه في مدح الكرّاس الذي ظنه من تأليف باكونين قائلاً: "إن هذا الشاب يتفوق على كل الحمير المسنين في برلين". أنهى أنجلس خدمته العسكرية في أيلول 1842 وسافر إلى إنكلترا ليشغل وظيفة كاتب في شركة غزل (إيرمين وأنجلس) حيث كان والده شريكاً في ملكيتها. وفي طريقه مرّ بكولون والتقى بشكل سريع كارل ماركس في مكتب تحرير مجلة (راينيخه تزايتونغ). ولم تترك هذه المقابلة انطباعاً قوياً لدى أي منهما عن الآخر. إن لم نقل أن كلاً منهما لم يرتح إلى صاحبه نتيجة آراء مسبقة مستقاة من الآخرين. في انكلترا، وبحكم مهنته، وطوال واحد وعشرين شهراً لاحظ أنجلس مدى تطور الصناعة الإنكليزية، وظهور طبقات جديدة واستفحال التناقضات الطبقية. وكذلك أدرك أن المباحث التاريخية لا تعطي أهمية تُذكر للعامل الاقتصادي على الرغم من أنه العامل التاريخي الرئيس في العالم الحديث.. وإن التناقضات الطبقية العدائية "نشأت كلية نتيجة تطور الصناعة الكبيرة. وهي تمثل أساس تطور الأحزاب السياسية والصراعات السياسية، وبالتالي تمثل أساس التاريخ السياسي كله". وإذ نشر ماركس في (دويتشة ياربشر) مقالته في نقد القانون فإن أنجلس نشر مقالة في نقد الاقتصاد الوطني، سيصفها ماركس بأنها "من هيكل تخطيطي لامع". وبذا سبق أنجلس ماركس في الالتفات إلى الشأن الاقتصادي مبدياً ملاحظات ذكية حملت "بذور الشيوعية العلمية في الحقل الاقتصادي". ومقالات أنجلس هي التي قادت ماركس، بعدئذ، إلى الانغماس في دراسة الاقتصاد السياسي، والتوصل إلى اكتشافاته العبقرية في ذلك الحقل. وكان أنجلس متواضعاً جداً، يبخس من قيمته ويعلي من قيمة ماركس.. يقول: "ماركس كان أعظم منّا جميعاً، كان يرى أبعد منا وأكثر منا وأسرع منا". وبطبيعة الحال هذا بعد أن يلتقيا ثانية في باريس (أيلول 1844) ويبدآن عملهما الفكري المشترك. ولا ريب أن كلاً من الشابين أثر على الآخر بعمق وقوة. ويبقى السؤال: ماذا لو لم يعرف أحدهما الآخر، أو أن أحدهما لم يكن موجوداً قط؟ هل كان بإمكان أنجلس التوصل استناداً إلى المقدمات التي وضعها إلى تلك المنظومة الفكرية التي صمّمها ماركس فيما بعد؟ أو هل كان لماركس أن يقع على تلك المقدمات، وأيضاً، فيما بعد من غير معونة أحد؟ وماذا كان يمكن أن تكون مصائر الفكر الاقتصادي والسياسي واتجاهات التاريخ إذا افترضنا عدم حصول علاقة الصداقة بين ماركس وأنجلس؟. وإذ يتحدث معظم مؤرخي الفكر الماركسي عن التأثير المؤكد لأنجلس على ماركس ودفعه إلى المناطق المبدعة، إنْ كان من طريق التعزيز النظري أو الدعم المعنوي والمادي، فإن هناك من يرى أن أنجلس حرّف ماركس عن مساره الأولي الذي كان يمكن أن يكون مثمراً أكثر (من غير إشعاعات أنجلس الفكرية الملهمة). وها هو جان بول سارتر يطلق على لقاء الشابين بالمشؤوم في كتابه (المادية والثورة). لأن ماركس، قبل ذلك اللقاء، كان يمضي باتجاه تأكيد النزعة الإنسانية لنضال العمال الذين كما يقول سارتر: "لم يطالبوا فقط بكسب زيادة بعض الدراهم ولكن كانت مطالبتهم رمزاً مجسّماً في اقتضاء أن يكونوا بشراً وآدميين. وآدميون تعني حريات تملك ناصية مصيرها". فضلاً عن ضرورة اقتران الذاتية مع وجود العالم في واقعية الرجل الثوري إلى الحد الذي "لا يمكن تصوّر ذاتية خارج العالم، ولا عالم بغير إيضاح الجهد الذاتي". وعلى حد تعبير سارتر

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram