جاسم العايفالعراق بعد 9 نيسان 2003، وما آلت إليه عملية تدمير بُنية الدولة، بسبب سياسة قوات التحالف التي اجتاحت العراق وبات عرضة للتخريب والنهب، ولتدخل مباشر، من قبل دول الجوار أو من ينوب عنها. وأعقب تلك الكارثة إجراءات، ما زال العراقيون يدفعون أثمانها من دمائهم وقوتهم وحياتهم ومستقبلهم، وربما شكل بلدهم مستقبلاً،
وكان يمكن في الأقل تحاشي بعضها، من قبل النخب السياسية التي قادتها عملية التغيير إلى قمة السلطة على وفق تقسيمات طائفية وعرقية، ما حول العراق إلى ساحة صراع وتصفية حسابات بين قوى إقليمية- دولية ذات مصالح متضاربة. وباتت الأرض العراقية مناخاً جاذباً لقوى الإرهاب العالمي، وتشكلت الميليشيات الطائفية، والعصابات والمافيات، وتم اختلاس وتبديد مليارات الدولارات. ان الوقائع اليومية تكشف الدمار الواسع الذي لحق بالعراقيين، كما جاء ذلك بموجب تقارير دولية مدنية حيادية، ورسمية محلية ومنها (وزارة حقوق الإنسان في العراق)، إذ جاء على موقعها في شبكة الانترنت العالمية انه و: " منذ بداية عام 2004 ولغاية الحادي والثلاثين من شهر تشرين الأول عام 2008 قُتل من العراقيين أكثر من خمسة وثمانين ألفاً، وعدد الجرحى ما يقرب من مئة وخمسين الفاً"، و كشف التقرير بأن: " عدد المسجلين لدى الوزارة كمفقودين يتجاوز العشرة آلاف". كما جاء في التقرير "خلال تلك الفترة، فقط، تم قتل 263 من أساتذة الجامعات و21 من القضاة و95 من المحامين وأكثر من 289 صحفياً وإعلاميا". وترى بعض الجهات الدولية المستقلة إن هذه الأرقام لا تمثل الحقيقة كاملة، وهي أدنى مما هو في الواقع، وتضيف:" أن في العراق حوالي، مليون أرملة، عدا أرامل الحروب السابقة، نصفهن في العقد الثلاثيني من أعمارهن". وتم وفي عمليات فرز طائفي مقيت تهجير مئات الألوف من منازلهم ومدنهم وقراهم، ولجأ حوالي مليون عراقي إلى دول الجوار. مع قتل وتصفيات يومية مذهبية- طائفية، تعود لأزمنة الصراع التركي- الفارسي على الأرض العراقية، وفرق جوالة للموت تصطاد الكفاءات والعقول العراقية، أياً كانت، مع تدمير شامل للمنشآت والبنية الاقتصادية، وتهريب متواصل لآثار العراقيين. وسعى الإرهاب الدولي، للهيمنة على جزء من ارض العراق. وثمة فساد للذمم والفوضى اتسمت بها الساحة السياسية و الوظيفية العراقية، وضعف المنظومة الأمنية للدولة، التي تعنى بالتعامل مع العراقيين على وفق حق المواطنة. لقد تم تكريس سيطرة القوى السياسية (الدينية- الطائفية) على مفاصل الحياة في الشارع العراقي، عبر انتخابات نيابية جرت في غير أوانها، وبأجواء شحن وغليان ديني- طائفي- قومي، كما تمت كتابة الدستور العراقي بعجالة غريبة باشتراط تعديله خلال ستة أشهر، وهو ما لم يحدث حتى الآن ولا يبدو ذلك قريباً. وبات العراقي، يخضع لتمييز عمد إليه النظام المباد سابقاً، من خلال احتكار فرص العمل والوظائف، وجعله حكراً على من يتحكم في مفاصل تلك الوزارة أو هذه المؤسسة. يمكن الوثوق بأن الدولة العراقية، وبعد انهيارها التام في 9/4/2003، لم تؤسس حتى آلآن، والمقصود بها الدولة المعنية بالمواطنة العراقية دون تمييز مهما كان، و هناك محاولات مستميتة لعرقلة تأسيسها، على وفق القانون وما يترتب عليه من حقوق وواجبات، من بعض القوى في داخل العملية السياسية الحالية،الموزعة على الشكل الحالي للمؤسسات، التي يمكن عبرها أن تنهض الدولة الحديثة: دستور دائم، رئاسة، مجلس وزراء، برلمان،قضاء مستقل، ومنظمات مجتمع مدني لا علاقة للسلطة التنفيذية بنشاطها بل هي التي تَحد من خروقاتها وطغيانها، وإعلام مستقل وحيادي ومهني ويسعى للوصول الى المعلومة بشفافية و معني بصياغة توجهات الرأي العام لتفعيل وترسيخ القيم الوطنية المدنية الديمقراطية. إن أسس دولة العشرينيات العراقية لن تعود قطعاً، ناهيك عن عدم صلاحيتها حالياً، وهي - الدولة العراقية الديمقراطية المدنية المأمولة- لن تُبنى، بالثأر أو الانتقام من العراقيين، ولا على أوهام الكثرة واحتكار الهوية أو المظلومة التاريخية، واستغلال هشاشة سلطة المركز، وتعدد مصادر قراراته، وعدم انسجامها. بعد كل هذا التدمير والموت والخراب الذي لم تسلم منه أي بقعة في العراق، يُلاحظ إن الغالبية العراقية، لم تستجب لدعوى ومشاريع بعض السياسيين، في مجلس النواب بالذات، لتفتيت النسيج الاجتماعي العراقي، وبات الوعي الاجتماعي الشعبي في الشارع أكثر إخلاصا للعراق ووحدة نسيجه الاجتماعي المتعدد منهم. غالبية العراقيين ممن يهمهم مستقبل العراق، لا يُشغلهم حالياً مبررات حرب التحالف في إسقاط النظام البعثي - الصدامي، ولا ثمة منهم مَـنْ يسأل حول شرعيتها وحجتها قانونياً أو دولياً، فلا ماضٍ تليدٍ خَلفهُ أو أبقاه، حزب البعث وصدام، ودولتهما (القوموية) بيننا، وما جرى للعراق وفيه بعد9 نيسان 2003 قد جرى، فبنية وركائز الدولة العراقية المبنية على الدستور الدائم، مهما كان شكله أو القوى التي تُكيفه لمصالحِها في العهد الملكي والفصل بين السلطات، قد تآكلت منذ 14 تموز 1958- بغض النظر عن المُسمى لما حدث صباح ذلك اليوم- وأُجهز على ما بقي منها في 17 تموز1968، وتم محوها تماما،على يد صدام و حتى الخارطة الجغرافية،المتوارثة للعراق
فواعل (العنف) بعد 9 نيسان 2003
نشر في: 7 ديسمبر, 2009: 04:22 م