TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ساسة الانقراض واصنافهم

ساسة الانقراض واصنافهم

نشر في: 8 سبتمبر, 2014: 09:01 م

اثناء التفكير بتشكيلة الحكومة، ترى داخلها اصنافا كثيرة من الناس، صالحين وطالحين، وتفكر بمستقبل هذه الخلطة ومصاعبها.
ترى مثلا ذلك الصنف من الرجال الغامضين، التائهين في حذلقة لغوية بلا نهاية، لا هم يدركون ما يريدون، ولا نحن ندرك كيف اصبحت لهؤلاء مكانة بين الناس. حاروا وحيرونا معهم.
وفي صنف آخر رجال غاطسون في قناعات عنيدة ولا يفهمون متطلبات السياسة كفن مثل الفيزياء والهندسة، ومهمتهم تخريب كل تسوية مرنة، بدعوى انها تحيد عن المبدأ وتنحرف، والنتيجة ان المبدأ ظل صامدا بينما مات الالاف تحت قدميه وانهارت كل الاشياء حوله، وسيأتي جيل اخر يكتشف ان هذا الموقف المبدئي لا يستحق اي تضحية، فيخضع للمساومات وتذهب الدماء المسكينة هباء.
وهناك رجال كذابون يشعرون بالسعادة لاننا ننهمك في جدل حول الموت والحياة والدولة، بينما الكذاب الذي يتظاهر بانه جزء من"محروقي القلوب"، منهمك في جمع الذهب والفضة والاطيان والاملاك، مستفيدا من انشغالنا بالجدل الابدي، وساخراً في سره من بلاهتنا وغبائنا وغفلتنا.
اما الصنف الرابع فرجال رؤوسهم فارغة من الافكار والخبرات، جاءتهم ضربة حظ ليتدربوا على العمل داخل مناخ سياسي ملتبس، بيد ان معظمهم لا يمتلك الهمة العالية والذكاء الكافي للتعلم، ومن تبقى من اذكيائهم حائرون، هل يتعلمون طريقة الفئة الاولى الغامضة، ام الفئة الثانية العنيدة التي تحب الدم، ام الفئة الثالثة التي تحب الكذب والذهب؟
الاصناف الاربعة تشيع في معظم المجتمعات، لكن الامم المتحضرة القوية لديها اساليب عديدة لتطويق خطر هؤلاء واثارهم الجانبية، وتوزيعهم على مناخات اعادة تأهيل، عبر دمجهم في مجالات ناجحة تملأ وقتهم وتكتشف ربما مواهب خير فيهم. والمشكلة في بلداننا ان لدى الجميع وقت فراغ طويل، فنحن في الغالب لانصنع ولا نزرع، بل حين نرى شخصا مشغولا ومنتجا كادحا، نسخر منه في الغالب ونعده مغفلا. ان اوقات الفراغ هذه هي التي تشجع نوازع الشر وتوقظ المواهب السيئة لدى الفئات الاربعة، وتشيع مناخ الشؤم.
اما اسوأ الاعراض الجانبية لوجود هذه الاصناف الاربعة، فهو ما يصيب الصنف السياسي الخامس، المؤمن بأن القوة هي في الاعتدال والتدبير العميق واخلاق التفاوض والتسامح واستيعاب الناس بروح ابوية، والذي يرى أن هذه القواعد هي التي ستخلق سياقا صارما منضبطا، فحين يظهر النهج العادل المعقول، سيؤمن الناس تدريجياً بضرورة حمايته بصرامة.
لكن هذا الصنف من الساسة ورغم ان وجوده مفيد للجميع، سيجد نفسه محاطا بتلك الاصناف الاربعة، واصناف ثانوية اخرى بينها، محاصرا بتيههم وسوء مواقفهم، وتخريبهم المقصود وغير المقصود للمبادرات الايجابية.
الصنف الخامس ليس مثاليا حالما، ولا اخلاقيا من اجل قيمة الاخلاق نفسها، لكنه يحاول اقناع الاخرين بأن ارساء قواعد متحضرة لادارة الخلاف والمصالح، هو السبيل الوحيد الذي اكتشفه الانسان الحديث للحصول على مصير يليق بانسانيته. لكن هذا النوع من الساسة نادر، لان مهمته هي الاصعب، فهو تقريبا، كمن يحاول اقناع مقيم في الكهف، بجدوى استخدام البريد الالكتروني.
في الانتخابات كذلك، سيكون هذا الصنف من اقل الساسة حظا، فالاصناف الاخرى ستجد ألف طريقة لاثارة انفعال الجمهور، بينما سيبدو صاحبنا مبشرا باحلام مستحيلة يصعب على عموم الناس تصديقها، او هكذا يحصل داخل المجتمعات الخائفة، التي لا تتيح لها الويلات المتتابعة ان تمتلك احلاما واضحة، او تميز بين الممكن والمستحيل.
وانتبهوا هنا للمشكلة الكبرى، اذ لم يعد في وسعنا ان نبقى بهذه الحال الفاشلة الى الابد، كما قال مرة كاتب مغربي لا اتذكره وسط تتابع المحن، ففي زمن العولمة وتسارع حركة التاريخ، لن يكون امام شعوبنا سوى خيارين: التقدم.. او الانقراض.
ونحن نلمس اليوم كل اعراض الانقراض المؤلم، والممكن، لكننا لم نفعل بعد ما يكفي لاغتنام بقية فرصة لتجربة الخيار الاخر، فالتقدم ايضا خيار مؤلم لكنه ممكن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. رمزي الحيدر

    لا أعتقد بأننا سوف ننقرض ، لأننا تحولنا الى قوارض ، والقوارض تستطيع العيش حتى في المستنقعات .

  2. بغداد

    من أقوال احد فلاسفة حكومة حيزبون اصبح وزير خارجية قال ابو الفطاحل البليغ ابراهيم الجعفري السلم معجوناً في روحنا وانفسنا ايييييييباخ شلون مقولة رح يدوخ بيهة الأمم الخارجية ههههههههههههههه؟! الله يخليكم انشروا ترة هذولة المكاميع بعد ماكو سكوت على لعبتهم

  3. ياسين عبد الحافظ

    مقال جميل واقعى الناس ماضية تمارس حياتها,يبقى العراق بحاجة الى اصدقاء حقيقيون ليساعدوه للخروج من محنته, وبدونهم لن يزداد النوع الخامس ليطغى ولو بنسبة ملحوضة على الاصناف الاربعة التى ذكرتها,سيمضى البلد الى الامام بمساعدة الاصدقاء وبصدق وجد مواطنيه,واضح فرح

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram