خصّص الصديق السفير الدكتور حسن الجنابي مقاله في الزميلة "الصباح" لهذا الأسبوع لمناقشة عمودي المنشور في "المدى" الأربعاء الماضي بعنوان "صورتنا في جنيف".. والدكتور الجنابي هو رئيس دائرة حقوق الانسان في وزارة الخارجية، وكان قبلاً ممثلنا الناجح والمرموق لدى منظمة الغذاء والزراعة الدولية (فاو) وسواهما من منظمات وبرامج الأمم المتحدة التي تتخذ من العاصمة الإيطالية روما مقرا لها، ويشهد له الذين عملوا معه، بالكفاءة والجدية والنزاهة فضلاً عن وطنيّته التي يشهد بها تاريخه النضالي، وهو من أبرز المتخصصين في شؤون المياه والموارد المائية.
من زاوية النظر المهنية الصحفية اختار الدكتور الجنابي عنواناً يعكس ذكاءه "صورتنا في جنيف.. معكوسة"، مضيفاً الى عنوان عمودي كلمة واحدة، لكن معبّرة. وعلاوة على ذلك جاء المقال على صورة الصديق الجنابي ونسقه وبما يعبّر عن شخصيته، كما عرفتها ويعرفها سائر معارفه، فهو مقال أنيق وراق ورصين، واذا ما رأى البعض ممن قرأوه انه قد فنّد اطروحتي كلاً أو جزءاً فذلك لا يضيرني أبداً، بل يسعدني أن "يهزمني" صديق كالدكتور الجنابي، وأنا من المؤمنين بصدق بقول الإمام الشافعي: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
علّقت في عمودي على ما قالته نائبة مفوضية حقوق الإنسان لدى الامم المتحدة السيدة فلافيا بانسييري في افتتاح الجلسة الطارئة التي عقدها مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية. وهي تحدثت عن وجود "أدلة قوية" على ان تنظيم داعش الارهابي والقوات الحكومية العراقية كلاهما قد ارتكبا "أعمالا فظيعة" في حق المدنيين خلال الأحداث التي تلت الاجتياح الداعشي للموصل وتكريت وسواهما من المدن والبلدات العراقية. وهذه حقيقة نعرفها نحن العراقيين قبل أن تعلنها المسؤولة الأممية، ونعرف ان تجاوزات قواتنا المسلحة على حقوق الانسان متواصلة في مختلف مناطق البلاد منذ سنوات قبل الاجتياح الداعشي، وقد كتبتُ وغيري في هذا كثيراً. ولا أظن ان السيدة بانسييري كانت تنطق عن الهوى، أو تتحدث انطلاقاً من متابعات شخصية لما تبثه وسائل الاعلام، وانما استناداً الى معطيات توفّرت لها من خلال المنظمة الدولية التي تتولى فيها منصبها المهم.
كان هدف عمودي هو اثارة الاهتمام بما جاء في كلمة المسؤولة الدولية، وتحذير الوفد العراقي الى الجلسة الطارئة من انكار ما قالته.. وهذا التحذير يستند الى حقيقة ان حكومتنا درجت على إنكار ما تتضمنه تقارير المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان من وقائع عن انتهاك حقوق الإنسان في بلادنا. وفي مرات عديدة سابقة كنتُ قد لمتُ حكومتنا الاتحادية وحكومة إقليم كردستان على إنكارهما أو تقليلهما من شأن ما تتضمنه تقارير منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" في هذا الخصوص.
عندما كتبتُ العمود الذي استثار الصديق الجنابي، لم أكن أعرف انه شخصياً كان في جنيف ضمن الوفد الحكومي، وأعترف انني لو عرفت لكتبت العمود بصيغة مختلفة بعض الشيء بما يتضمن خطاباً مباشراً اليه، فأنا أعرف الدكتور الجنابي وأثق بمهنيته وموضوعيته ووطنيته، فهو ليس من نوع الموظفين الحكوميين الذين يستكينون ويتواطؤون مع رؤسائهم على حساب المصلحة الوطنية. والواقع انني لم أحتج الى أن يؤكد الصديق الجنابي قائلاً في مقاله "لم أكذب ولم أكن ناكراً أو روتينياً ولا مداهناً ولا مجاملاً في عملي من أجل تحقيق هذا الإجماع في الموقف الدولي الداعم للعراق" في الجلسة الطارئة، فلا أتوقع منه خلاف هذا.
أظن ان الدكتور الجنابي يوافقني الرأي في ان النفي والانكار صارا ممارسة روتينية لغالبية المسؤولين الكبار في دولتنا، ولابدّ انه، على سبيل المثال، قد تابع مثلي وغيري مجريات ووقائع الأحداث بالغة الخطورة التي شهدتها البلاد على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، فقد سعى هؤلاء المسؤولون الى نفي وانكار أي مسؤولية لكبار القادة العسكريين والأمنيين وقادتهم السياسيين عن الهزيمة العسكرية والسياسية أمام داعش وعن المجازر الفظيعة التي رافقت ذلك الاجتياح، بل ان أحد هؤلاء المسؤولين، وهو وزير الدفاع بالوكالة، ألقى بالمسؤولية علناً على عاتق الشعب لأنه "لم يوفر الحاضنة للجيش"!! فهل ثمة إنكار أسوأ من هذا؟
شكرا صديقي .. السفير
[post-views]
نشر في: 8 سبتمبر, 2014: 09:01 م