ماذا يحدث في المتاحف ليلاً؟ هل تنام اللوحات؟ وكيف تكون حياتها بعد منتصف الليل؟ أَتمْلُك الأعمال الفنية حياتها الخاصة بالفعل؟ حياتها التي تستعيدها مساءً بعد خروج الزائر الأخير من المتحف. أتخيَّلُ دائماً شخصيات اللوحات وهي تلتفت الى بعضها وتدخل في حديث عن جدوى وجودها هنا في هذا المكان المغلق حيث تندب حظها أوتسترجع بسخرية غرابة بعض الزائرين الذين لا ينفكون من التحديق بها أو تصويرها. لا أعرف كيف ستتفاهم أعمال ريمبرانت الكلاسيكية مع أعمال بيكاسو المعاصرة وهي تسكن في مكان واحد. وربما تشير أصابع منحوتة لمايكل أنجلو نحو لوحة لروفائيل وهي تسترجع ذلك الحوار الحاد والمنافسة الساخنة بينهما بعد أكثر من أربعة قرون. وبعيداً عن فيلم (ليلة في المتحف) لا أعرف في الواقع أن كان هناك أحد قد قضى ليلته بين الأعمال الفنية في متحف، وأقصد شيئا واقعيا حدث بالفعل!! قد تبدو هذه التساؤلات عديمة الجدوى أو لعلها تشير الى شيء خيالي لا يمت الى الواقع بصلة وربما يبدو الجواب غير موجود .
لكن نوعا من الجواب قد حضر على أرض الواقع ، وبالتحديد في مدينة لاهاي ، هذه المدينة العريقة التي تفتح هذا الأسبوع متاحفها ليلاً للزوار في فعاليتها السنوية وللمرة الخامسة. وهل هناك أجمل من مدينة تفتح أبواب متاحفها في وقت متأخر من الليل كي تزيد من متعة الناس الذين ليس لديهم وقت لذلك في النهار أو أن طبيعة عملهم لا تسمح لهم بزيارة المتاحف حتى في عطلة نهاية الأسبوع . الأغرب من ذلك أن مدينة لاهاي وحدها فيها 38 متحفاً ومؤسسة تعنى بالثقافة والفن ، وقد فتحت أبوابها كلها لتستقبل آلاف الزائرين من الساعة الثامنة مساءً وحتى الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، وكان من ضمنها 13 مؤسسة خاصة بالأطفال. ياللمدينة الباهرة ويا للأرث العظيم .
ابتدأ افتتاح ليلة المتحف على المسرح الملكي في الساعة السابعة والنصف بعرض كوميدي ، ثم كان هناك عرض حصان طروادة وشعاره (رقّص نفسك من جديد) كذلك اشتركت أوركسترا لاهاي مع عرض للدمى وموسيقى من الماضي والحاضر، كان هذا قبل البدء بزيارة المتاحف ومصاحباً لها أيضاً. وهكذا ابتدأت الفعاليات المخصصة لهذه الليلة الفنية النادرة ، حتى شوارع المدينة وساحاتها كانت تموج بحركة ترفيهية فيها مسحة ثقافية واضحة حيث ترى بعض الناس وهم يرتدون ملابس القرن السابع عشر وكأنهم قد خرجوا تواً من لوحة (الحراسة الليلية) ليتجولوا في شوارع المدينة وهم يتناولون طبقاً من السمك المدخن هنا أو قطعة من الهارنك هناك. رائع وجميل أن تكون الثقافة مرادفة لشيء من الترفيه والمتعة ، أليس في الفن جانب كبير من المتعة واللعب؟ فالابداع بشكل أو آخر هو عودة الى الطفولة والعفوية والبراءة . وهؤلاء الناس الذين يملأون شوارع المدينة وهذه المتاحف التي تفتح أبوابها في أوقات غير مسبوقة وكل هذا الفرح الذي يعم الشوارع هو جزء من صناعة الحياة التي تليق بالإنسان الحاضر.
إضافة الى المتاحف والساحات والمؤسسات الثقافية والعروض الرئيسية ، كانت هناك عروض جانبية تضفي على المدينة جمالاً آخر وتشير بشكل مختلف الى فنانين ذهبوا بعيداً وبقي تأثيرهم في الفن وجمال الحياة ، مثل العرض الذي قدمته دار أزياء ريتو في المكتبة الرئيسية لمدينة لاهاي ، وقد استوحيت العروض والملابس هنا كلها من أعمال الرسامين الشهيرين موندريان وأشر ، وهكذا تظهر تجريدات موندريان وبصريات أشر على الملابس من جديد لتعيد الفن وتظهره لنا على أجساد العارضات بشكل حي ونابض بالحياة .
تلويحة الى صانعي الجمال في كل وقت وعصر وفي أي مكان ، فهو لغتنا التي نجيدها جيداً وهو الذي يفتح لنا نافذة تطل على غد أكثر رفعة وأهمية ومتعة.
هل تنام اللوحات ليلاً؟
[post-views]
نشر في: 12 سبتمبر, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...