إذا لم يكن هذا شوفينية، فكيف هي تكون؟.. هل للشوفينية لون ما، أصفر أو أخضر أو أحمر كألوان إشارة المرور مثلاً!؟ .. هل لها طعم مميز، مرّ أو حلو أو مالح مثلاً!؟.. هل لها رائحة معينة كرائحة البنزين أو شواء اللحم أو عبير الأزهار!؟
بالتأكيد للشوفينية لون هو لون الكراهية، ولها طعم هو طعم الضغينة، ولها رائحة هي رائحة الاستعلاء والتكبّر والتجبّر، وهذا ما يجعلها مذمومة ومنبوذة في البلاد المتحضرة خصوصاً والمتخلفة أيضاً باستثناء هامش ضيّق للمتعصبين، قومياً أو دينياً أو مذهبياً، وبخاصة "المثقفين" المأزومين.
بعد التي واللتيا تتشكل الحكومة الجديدة، فنعترض عليها لأنها جاءت في صورة الحكومات السابقة المحاصصاتية، تجاوزاً على المعايير السليمة المطلوبة والمنتظرة لتشكيل حكومة عراقية في هذا الظرف بالذات.. معايير الكفاءة والنزاهة والوطنية.
بعضنا لم يرَ ما يعيب في الحكومة سوى ان وزير الثقافة فيها كردي!.. ولماذا لا يكون وزير الثقافة كردياً؟.. لماذا لا يكون تركمانياً أو كلدانيا أو آشورياً أو أرمنياً؟ أليست هي وزارة الثقافة في جمهورية العراق؟.. أليس الكرد والتركمان والكلدان والآشوريين والأرمن عراقيين آباء عن أجداد، كما العرب؟.. أليس منهم مثقفون كما من العرب؟
ماذا غير الشوفينية ما يثير ثائرة هذا البعض من "المثقفين" لأن وزارة الثقافة قد كُلّف بها مواطن عراقي جاء من أم وأب كرديين مثلما جاء الوزراء العرب من أمهات وآباء عرب؟
لو جاء الاعتراض على كفاءة الوزير فرياد راوندوزي أو نزاهته أو وطنيته لكان معقولاً ومقبولاً ومفهوماً.. لكن راوندوزي الإعلامي والكاتب هو في مستوى المئات من المثقفين العراقيين، العرب والكرد والتركمان والكلدان والآشوريين والأرمن، بل انه في مستوى أرفع من مستوى المئات ممن تتداول وسائل الاعلام والمحافل الثقافية أسماءهم.
منذ أن أنشئت وزارة الارشاد في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم (1958 – 1963) حتى سقوط نظام صدام حسين (2003) لم يتول وزارات الإرشاد والإعلام والثقافة سوى مثقفين اثنين، هما فيصل السامر وشفيق الكمالي. ومنذ سقوط نظام صدام حتى الآن لم تُسند وزارة الثقافة الى من له علاقة بالثقافة والمثقفين سوى واحد هو مفيد الجزائري، فيما خلفاؤه كانوا على التوالي ضابط شرطة متقاعداً وبائع أعلاف، وإمام جامع مطارداً الآن بتهمة الارهاب، وواحداً "من أهل الله"، ثم ضابط أمن سابق في أجهزة صدام السرية.
لفرياد راوندوزي علاقة وثيقة بالثقافة والإعلام. هو رجل مثقف يتولى منذ سنوات رئاسة تحرير واحدة من صحف بغداد العربية (الاتحاد)، يكتب بعربية فصيحة كما بكردية فصيحة ومتمكن من لغات أخرى بينها الانكليزية... هل لدى أحد طعن أو نقطة نظام في شأن نزاهته ووطنيته؟
لماذا يتعيّن أن يكون وزير الثقافة عربياً حصراً وليس كردياً أو تركمانياً أو كلدانياً أو آشورياً أو أرمنياً؟ ألأن مساحة الثقافة العربية في العراق أوسع من مساحة ثقافة القوميات الأخرى؟ .. هذه قاعدة فاسدة، فالزراعة (العربية) في العراق مساحتها أوسع، وكذا الصناعة والموارد المائية والنقل والصحة والتربية والتعليم العالي والنفط... هل يتعيّن ان نُقصر التعيين في هذه الوزارات على العرب أيضاً؟ ما سنُبقيه للآخرين، شركائنا في الوطن الذين نريدهم أن يبقوا معنا فيه الى الأبد؟
في نيسان الماضي استقالت وزيرة الثقافة والإعلام والرياضة البريطانية ماريا ميللر من منصبها على خلفية مزاعم بالإسراف في الإنفاق من المال العام، فاختار حزبها اليميني، حزب المحافظين، خلفاً لها أحد قيادييه متحدراً من أصول باكستانية مسلمة، فالوزير الجديد ساجد جافيد، من عائلة فقيرة هاجر ربها الى بريطانيا في العام 1961.. وعندما أُعلن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون عن اسم الوزير الجديد لم يعترض أحد من كبار أو صغار المثقفين الانكليز أو الأسكتلنديين أو الويلزيين أو الآيرلنديين الشماليين على الاختيار.. لم يقل أحد: كيف تعيّنون باكستانياً ومسلماً في أصوله وزيراً للثقافة في بلد شكسبير وبرونتي واليوت وداروين ورسل وشيلي وبايرون وآدم سمث وغراهام غرين وكولن ويلسون وهيتشكوك وشابلن وفيرجينييا وولف وأودري هيبورن.
ما الذي يمنع المثقفين البريطانيين من الاعتراض على توزير جافيد المتحدر مما وراء البحار وزيراً لهم، ويدفع بعضنا الى التنديد بتوزير راوندوزي الممتدة جذوره في هذه البلاد الى أبعد من جذورنا نحن العرب، غير الشوفينية التي هي بلون الكراهية وبطعم الضغينة وبرائحة الاستعلاء والتكبّر والتجبّر الأجوف؟
ما لون الشوفينية وطعمها ورائحتها؟
[post-views]
نشر في: 13 سبتمبر, 2014: 09:01 م