أزمات الإقليم مترابطة تتأثر كل منها بالأخرى, يتجلى هذا في لبنان، حيث ينتظر اللبنانيون نتائج ولادة حرب التحالف الدولي الجديد ضد إرهاب داعش، قبل تنفيذ أي من الاستحقاقات الدستورية، سواء انتخاب رئيس للجمهورية، أو الذهاب إلى الانتخابات النيابية المقبلة، أو التمديد للمجلس النيابي، ينتظرون النتائج وهم يدركون مخاطر القفز عن هذه الاستحقاقات، التي يؤدي عدم مواجهتها إلى تعطل الخدمات الأساسية والمؤسسات العامة ومالية الدولة.
منصب الرئاسة فارغ منذ شهور، وولاية مجلس النواب تقترب من نهايتها ورئيسه نبيه برّي هو الأكثر تمسكاً بعدم التمديد للمجلس لكونه غير قادر على التشريع، وحتى الوضع الأمني السيء لا يجده سبباً مقنعاً للتمديد، وهكذا فإن بري، السياسي المخضرم، والصديق الوفي للنظام السوري، يرى أن التحالف ضد داعش مُبهم، لكنه طالب بعدم عزل أي طرف، إذا كانت النية صحيحة لضرب الإرهاب، معتبراً أن السلاح الأهم في الحرب مع الإرهاب في لبنان، ليس المدافع ولا الدبابات، الأهم عنده هو الوحدة الوطنية.
في ملف الاستحقاق الدستوري الخاص بانتخاب رئيس الجمهورية، تتقدم القوى السياسية بمبادرات لتحريك مياهه الراكدة قبل أن تأسن، ومنها مبادرة قوى 14 آذار الداعية للتوافق على مرشح قوي للموقع، سواء كان الرئيس السابق أو سواه، وهي رؤية تتقاطع مع موقف ميشال عون الداعي لانتخاب رئيس قوي، "يقصد نفسه"، والرئيس الأسبق أمين الجميل يطرح نفسه كمرشح مقبول عند الجميع حيث لم يعترض أي فريق سياسي على اسمه، ويُذكّر بأنه لم يسبق أن حصلت انتخابات رئاسية سادها إجماع إلاّ على انتخابه، لكنه يتجاهل أن ذلك جاء بعد اغتيال شقيقه بشير.
لبنان اليوم بحاجة فعلاً إلى رئيس قوي، يعزز موقع الرئاسة ودورها بمعزل عن النصوص الدستورية، وبالعكس فإن الرئيس الضعيف ولو تمتع بصلاحيات قوية لن يتمكن من ممارستها، وسيكون انتخابه مؤامرة على لبنان لإبقائه في الثلاجة يتخبط في أزماته بلا حلول، ناهيك بتعطيل الدور المسيحي الفاعل في موازاة أدوار ممثلي الطوائف الأخرى في مواقعهم الدستورية الفاعلة.
صحيح أن انتخاب رئيس جديد لوطن الأرز بات مسألة ثانوية في ظل التحولات التي تتعرض لها المنطقة، لكن الأصح أن مرحلة جديدة بدأت وستشمل لبنان حتماً، وهي مرحلة تتعلق بمصير داعش، فالجيش اللبناني الذي يتسلح بكثافة سيجني ثمار الحرب ضد هذا التنظيم الإرهابي، وسيدفع حزب الله في مرحلة ما ثمناً باهظاً نتيجة تلك الحرب، باعتبار أن أطرافاً وازنة في التحالف تعتبره تنظيماً لا يقل خطورة عن داعش، التي سيكون القضاء عليها في صالح المعارضة السورية، حيث تتفرغ لمحاربة النظام، وستفقد دمشق وطهران أي تأثير لهما على السياسات اللبنانية، فتكون الفرصة مواتية للإتيان برئيس قوي صُنع في لبنان ليحتل موقعه في قصر بعبدا.
استعاد رئيس النواب المثل القائل " إن ما كبرت ما بتزغر"، وها هي كرة الثلج تتدحرج، مكتسحة الكثير من ما كنا نعتقده ثوابت، ولبنان اليوم ساحة صراع بالوكالة بين القوى كافة، وهو المختبر الذي تظهر عنده النتائج، فلننتظر ونرى.
لبنان.. إذا ما كبرت ما بتزغر
[post-views]
نشر في: 14 سبتمبر, 2014: 09:01 م