كانت معركة غابة ماميتز من أكثر معارك الحرب العالمية الأولى دمويةً على نهر السوم بفرنسا. فقد سقط هناك أربعة آلاف شخص من فرقة ( ويلز ) الـ 38 بين قتيل و جريح خلال الاستيلاء على الغابة، التي سقطت فيها الأشجار و الرجال معاً. و أسكتت نيران المدافع تغريد ا
كانت معركة غابة ماميتز من أكثر معارك الحرب العالمية الأولى دمويةً على نهر السوم بفرنسا. فقد سقط هناك أربعة آلاف شخص من فرقة ( ويلز ) الـ 38 بين قتيل و جريح خلال الاستيلاء على الغابة، التي سقطت فيها الأشجار و الرجال معاً. و أسكتت نيران المدافع تغريد الطيور، و تدلَّت أطراف الضحايا المبتورة من الأغصان كالأوراق.
لقد كتب جيل من الشعراء و الكتّاب عن التجربة، بضمنهم ديفيد جونز، و سيغفريد ساسون، و روبرت غريفز، و لويلين وين، الذين تنظفر كلماتهم في نص كتبه الشاعر الويلزي الشاب أوِين شيرز، يقول فيه :
[ بعد سنين من ذلك وجدهم المزارعون ــ
الشبان المفقودون ، يتقلبون تحت شفرات محاريثهم
بينما هم يعيدون الأرض إلى حالها.
كسرة عظم، الرقاقة الخزفية لعظمٍ كتفي،
بقية إصبع، جمجمة مهشمة ...
كله محاكى الآن بالصلصال، قاطعاً الأزرق بالأبيض
عبر هذا الحقل الذي قيل لهم فيه أن يسيروا، لا أن يركضوا،
نحو الغابة و مدافعها الآلية المعششة.
و حتى الآن تقف الأرض خفيراً، تلتمس متذكرين لما حدث
كجرحٍ يدفع شيئاً غريباً إلى سطح الجلد. ...]
و تقدم قصيدة شيرز الساحرة " غابة ماميتز " هذه إلهاماً لأمسية تبدأ بالصمت، يخرقه صوت قصف، و جندي وحيد، ساعٍ، يتطلع نحو سفح تل متموج، ناظراً باتجاه الأفق البعيد. و السخفٌ الذي تبديه جماعة من مشاهدي المسرح في القرن 21 لديهم أية فرصة لرؤية حتى جزء صغير من الرعب الذي واجه الرجال المقاتلين ( من الجانبين معاً ) أمرٌ معترف به في بُنية العمل : إننا جزء من المتفرجين على رحلة من " تجربة ساحة المعركة " لكوك. لكن ما إن نسير عبر خندقً و نعود إلى الماضي، حتى يبدأ الزمن يعمل بشكل غريب و كأن الآن و آنذاك و هنا هناك تبدأ بالاندماج. فالرجل الذي ينظر إلى ساعته على حافة الخندق صحافي ألماني مفتون بنظرية آينشتاين المنشورة حديثاً عن النسبية. و الرجل الكهل الذي في طريقه عائداً من السوبرماركت يمضي إلى قلب معركةٍ حدثت قبل مئة عام تقريباً. فالموتى هنا ينهضون من تحت الأرض، و اللحم و الدم من بقايا العظام.
إن الكثير من ذلك مألوف، لكن الشاعر شيرز، و المخرج ماثيو دونستر، و المصمم جون بوسور و عدد كبير من الممثلين يجعلون ذلك يبدو طرياً و عميقاً، خاصةً في المشاهد المتتالية الختامية في الغابات حيث تتطلع وجوه الجنود الموتى من صورهم الفوتوغرافية : شباباً أبداً، مفقودين إلى الأبد.
عن: The Guardian