منذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي تغيرت نظرة المجتمع العراقي تجاه الفن المسرحي و اصحابه وذلك عندما بادر عدد من الشباب التقدميين ان يدخلوا ذلك المعترك مؤمنين بأن المسرح ليس وسيلة للتسلة وحسب وانما اداة للتنوير والتوعية والتوجيه متذكرين ذلك القول الرائع (اعطني خبزاً ومسرحاً أعطيك شعباً مثقفاً) مثل هذا التوجه قادته مجموعتان مسرحيتان اولهما (فرقة المسرح الحديث) التي ترأسها (ابراهيم جلال) و (يوسف العاني) وثانيهما (الفرقة الشعبية للتمثيل) التي ترأسها (عبدالكريم هادي الحميد وجعفر السعدي) ولحقت بها فرق مسرحية اخرى مثل (فرقة مسرح اليوم) والتي ترأسها (جعفر علي) و (فرقة اتحاد الفنانين) التي ترأسها (طه سالم).
كان عمل تلك الفرق تعمل على محورين: اولهما، تقديم مسرحيات تعبر عن هموم ابناء الشعب وتطلعاته الى التحرر من الاستعمار والظلم والعبودية والى تحقيق العدل والسلام والرخاء وتغير المجتمع الى مستقبل افضل. ثانيهما: تعزيز نظرة الاحترام للفن المسرحي وذلك باشراك عناصر نسائية في عروضها المسرحية من فئات اجتماعية محترمة. وكان معظم اعضاء تلك الفرق يحملون فكراً تقدمياً او يسارياً وكانوا يقتدون بعمالقة المسرح الروسي امثال ستانسلافسكي وميرهولد وفاختانكوف وبعظماء المسرح الالمان بيكاتور وبريجنت و راينهارت.
كان اعضاء تلك الفرق وقادتها يعرفون ان سلطات العهد الملكي ترصدهم وتحسب لهم خطواتهم وتراقب افكارهم التي يبثونها عبر مسرحياتهم وتتحين المناسبات كي توقف عملهم وهنا اذكر ان عرضاً مسرحياً لفرقة المسرح الحديث كان على وشك تقديمه في نادي السكك قد منع وذلك عام 1957 وجاء في امر المنع ما نصه (ان الفرقة تعرض الروايات التي تستهدف النيل من اوضاع البلاد السياسية والاجتماعية ولعدم مراعاتها لمقررات لجنة فحص التمثيلية ونظراً الى ان تصرفات هذه الفرقة تعتبر مضرة بالمصلحة العامة ولانها تقدم مسرحياتها كثيراً من المشاكل وتنبه الناس عليها وكثيراً ما تضع اللوم على الحكومة لانها المتسببة في افقار الشعب وحالته السيئة التي وصل اليها).
واذكر ايضا ان الفرقة الشعبية للتمثيل وعندما كانت تقدم مسرحية (فلوس) في قاعة الملك فيصل عام 1952، وتتعرض تلك المسرحية الى الفوارق الطبقية في المجتمع وما تتعرض له الفئات الكادحة من ظلم وقهر، اذكر ان السلطة حاولت منع عرض المسرحية وقامت بمسائلة رئيس الفرقة (عبدالكريم هادي الحميد) عن مقاصد المسرحية خصوصاُ بعد لاقت استقبالاً حماسياً شديداً من قبل الجمهور الذي شاهد عرضها. وبالفعل توقفت الفرقة عن تقديم العرض ولم تستمر به اكثر من عرض واحد.
ونورد هنا امثلة من المسرحيات التي قدمتها فرقة المسرح الحديث وحملت مضامين ثورية تدعو الى تغيير الوقع الى ماهو افضل وتنتقد الجوانب السلبية في واقع المرحلة، (ماكو شغل) ليوسف العاني تتحدث عن البطالة و (راس الشليلة) تتعرض للروتين الحكومي ومعاناة المواطن، وبعد ثورة 1958 قدمت الفرقة (المقاتلون) لمؤلفها جيان ومخرجها سامي عبدالحميد وتتعرض لثورة الجزائر التحررية ومقاومة الاستعمار الفرنسي، وقدمت (الخرابة) ليوسف العاني واخراج (سامي عبدالحميد) و (قاسم محمد) والتي تتعرض لنضالات الشعوب المقهورة في العالم ضد الظالمين، في عام 1974 قدمت الفرقة مسرحية الكاتب التقدمي (جليل القيسي) (جيفارا عاد افتحوا الابواب) عن ذلك الثائر اللاتيني الذي اصبح في زمنه شاغل الدنيا بافكاره الثورية ونضاله ضد الرأسمالية.
اعمال مسرحية نددت بالقهر والتسلط
[post-views]
نشر في: 15 سبتمبر, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...