هل استطاعت الكتب أن تغيّر في طبائع البشر؟ كم من كتاب قُدّر له أن يوقف زحف جيوش الفورهر على بلدان أوروبا، وهل امتلكت آلاف الصفحات التي كتبها نيرودا من ان تمنع دكتاتور تشيلي أن يملأ ملاعب كرة القدم بالجثث.. هل تستطيع أفكار فوكو ودريدا وبورخس والمعرّي أن تجعلنا نتسامى على تاريخ من الضغائن؟ صادفتنا كتب كثيرة تثير الدهشة والأسئلة المقلقة ، لكننا أدرنا ظهورنا ضجراً أو يأساً في إمكانية إصلاح هذا العالم المضطرب.
في منتصف الستينات أطلق كاتب أميركي اسمه ريتشارد باخ نشيداً للحرية أسماه"طائر النورس ليفنجستون"قرأناه في الثمانينات في ترجمة عراقية قدمتها دار المأمون.. يروي باخ في كتابه الصغير بأسلوب شاعري، مغامرات نورس صغير، يتمرد على حياة النوارس الرتيبة ويقرر أن يحلّق عالياً ليجرّب فنون الطيران السريع بدلاً من السعي وراء السفن انتظاراً لما تُلقيه في البحر من بقايا وفضلات الطعام كما يفعل أقرانه كل يوم.
يقرّر النورس الصغير أن يعلو، أن يكتشف الوجود، وألاّ تكون حياته مكرّسة للأكل والنوم مثل بقية النوارس، فيكتشف أنّ السعادة الحقيقية في الحرية، و أنّ الحرية لا تمنحه القدرة على التحليق عالياً فقط بل منحته حياة أفضل بكثير، شيء واحد كان ينغّص عليه حياته الجديدة.. هو سوء الظن الذي يحمله بعض النوارس تجاهه، وقد تنامى سوء الظن هذا حتى يُفاجأ بأن الجميع غاضبون منه ،لأنه تجرّأ على مخالفة تقاليد مجتمعه! ويصرخ بهم:"يا أصدقائي تتهمونني باللامسؤولية، مَنْ يمكن أن يكون مسؤولا أكثر من نورس يبحث عن طريقة ترفع مستوى حياة قومه مراتب أرفع من مجرد الأكل والنوم؟ أعواماً طويلة قضيناها لا نفكّر إلاّ بأكل الفضلات، أما الآن فلدينا سبب جديد نبيل لنحيا.. لنتعلم.. لنكتشف.. ولنكون أحراراً.. امنحوني فرصة أُعلّمكم فيها معنى أن نحلّق باتجاه الحرية والمحبة"لكن كلماته لا تجد صدىً لمن يتولى أمر النوارس، ويحاول البعض قتله، لكنه يتمكن من النجاة.
وذات يوم يسأله نورس صغير: كيف تستطيع أن تحبّ الذين حاولوا قتلك؟ يردّ جوناثان: أواه يا صديقي، أنا لا أحب الكراهية والحقد، ولكنني أحب الخير في أعماق كل نورس وأحسّ بأنّ من واجبي أن أساعدهم على اكتشاف ذواتهم وعلى إدراك معنى الحب في دواخلهم.
في مذكراته يكتب نيلسون مانديلا:"إذا كان الناس قادرين على تعلم الكراهية فلابد من أنهم قادرون على تعلم الحب، ففي أحلك أوقات السجن حينما كنت أساق إلى حافة الغضب واليأس كنت أرى وميضاً من الإنسانية في أحد الحراس، ربما لمدة ثانية، لكن كان ذلك الوميض يطمئنني". تزدهر الأمم بقادة يصرّون على إشاعة روح التسامح والأمل والعدالة الاجتماعية، بينما نغرق نحن مع ساسة لا يتوقفون لحظة واحدة عن بث الكراهية والتفرقة الطائفية ورفض الآخر، والأهم الإصرار على الاستمرار في السلطة حتى النفس الأخير.
رجال المحبة والتسامح والحرية في هذا العالم كانوا ومازالوا يعرفون، أنّ الانتصار الحقيقي في الحياة، هو الانتصار على الكراهية. ويدركون أنّ رجل السياسة إما رجل عفو وقدرة على الحوار ، مثل مانديلا وديغول، وإما بطل في الخطب والأكاذيب والضحك على البسطاء وبثّ روح الفُرقة والبغضاء مثل كثيرون مرّوا على هذه البلاد خلال السنوات الماضية.
السيد العبادي لا يُنقذنا، في هذه الأيام سوى ساسة يأخذوننا إلى المحبة والعمل والطمأنينة والاستقرار ، ولن ننجوَ إلّا إذا انتصرت رسالة المحبة على خطب الكراهية ، وعندما تقول لجميع العراقيين : لن أُقلّد من سبقني على كرسي الحكم، لن أُذلّ كرامة أحد، لن أرفض استقبال من أختلف معه في الرأي ، وسأعاملكم جميعاً إخوةً وشركاء حقيقيين .
كتاب النورس أهداه مؤلفه إلى كل نورس يعيش بداخل كلّ منّا، وأنا أُهدي كلماتي البسيطة هذه إلى نوارس عراقية - أتمنى أن يكون العبادي أحدها – ستعمل على التحليق باتجاه مستقبل أفضل للعراقيين جميعاً.
كتاب أتمنى أن يقرأه العبادي
[post-views]
نشر في: 16 سبتمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 5
علي العراقي
انت نورس ابيض عائم في قلوب قرائك ومحبيك تحية لك ولقلمك الجميل الرائع ....
رمزي الحيدر
أتمنى أن العبادي يقرأ مقالاتك .
رعد الصفار
اتمني ان الاستاذ العبادي يقرء كتاب نيلسون مانديلا الطريق الطويل الي الحريه
ديلون
عاشت ايدك
وسام
مقال رائع جدا ارجوا ان يتكرر بكثرة لغرض الفائدة و نشر فكر التسامح والمحبة اللتي عمرت شعوب وبلدان. تحية محبة لك استاذ علي حسين وشكرا لك على بحثك الدؤوب في الكتب وتلخيصها لنا بهذا الشكل السلس. اذا استمرت هكذا مقالات وقرئها كثيرين فاكيد التغيير سيحدث. مانديل