زرت أربيل عام 1974 فلم يكن ينطبق عليها غير توصيف القرية الكبيرة، وزرتها عام 1990 ولم يكن التوصيف مختلفا، وانقطعت عنها حتى عام 2003 بعد سقوط الدكتاتورية فكانت شيئا مختلفا نسبة الى ذاكرة السبعينات والتسعينات، ثم زرتها عام 2005 فكانت حلتها جديدة وبدت شوارعا وفنادقها كالطفل الذي يحبو ليتعلم المشي بثقة وزهو، كانت مظاهر انطلاق الاعمار والبناء تواجهك في كل كيلو متر منها، كانت تبدو أمامك مع صورتها في الذاكرة ككائن حي ينمو ويتحرك ويصبح أكثر جمالا، الجمال الذي اضفته الطبيعة الى جغرافيتها المميزة.
أربيل الآن مدينة مختلفة تماما عن صورة الذاكرة التي لاتريد ان تبارحك، لكن الجديد وصوره يفرض نفسه تدريجيا، لتحل بدل صورة القرية الكبيرة،صورة المدينة العصرية المعاصرة بشوارعها واسواقها وذاكرتها الموغلة في القدم عبر قلعتها الشهيرة ومآذنها التي تحدثك عن تأريخ مضى فيما تنبؤك مظاهر التطور الجديد بحاضرها ومستقبلها القادم.
أربيل اليوم قبلة العراقيين وملاذهم الآمن ومحطة استرحاتهم من عناء الحياة في محافظاتهم الاخرى بما في ذلك العاصمة الحزينة بغداد.. مدينة يختلط فيها عبق الماضي بحاراتها التقليدية التي تنهض على تخومها وحواليها فنادق من طراز مختلف ومتنزهات تفتح فضاءاتها على طبيعة ولا أجمل ومولات تستهويك للانقطاع عن العالم والتمتع بساعات لاعلاقة لها بايامك الماضية!ا
نهضت أربيل بالكفاءات التي وجدت مناخاتها مهيئة في المدينة واستثماراتها العملاقة وارادة البناء والحياة فيها والانطلاق الى العالم الرحب للتطور والتوائم مع العالم المنطلق بسرعة الضوء الى المستقبل..
نهضت أربيل من الجوع والحروب والفقر والدكتاتورية وتحدت قدرها في أن تكون مختلفة مطلقة رصاصة الرحمة على تلك التسميات البغيضة ـ تحدت اربيل الصراعات التي شهدتها والفساد المالي الذي كاد ان يوقف عجلة تطورها والمخاوف التي رافقت تجربتها وانطلقت في دروب تخوضها للمرة الاولى وبمجتمع تقبل ثورة البناء والاعمار فيها وانعكاساته الاجتماعية على واقع اهلها وتمتعت بقدر معقول من الخيارات الشعبية المختلفة التي تقاطعت رؤيتها في اكثر من محطة لمستقبل هذه المدينة الحالمة على تخوم جبالها وفضاءاتها.
لقد عانت اربيل واهلها الكثير قبل ان تجد طريقها السليم الذي قادها الى ماهي عليه الآن، ورغم كل الاعتراضات والانتقادات والرؤية المختلفة الى ان عربتها سارت بجرأة وقوة وثقة فاختيرت من بين دبي والقاهرة وبيروت والدار البيضاء وابو ضبي ودمشق، عاصمة للسياحة العربية ممثلة العراق كل العراق في حضورها الحضاري هذا معلنة ان العراقيين قادرون عله ان يفعلوا عجائب كثيرة اذا ماتوفرت لهم فرص حقيقية للنهوض من بين ركام الماضي وذيوله وتبعاته وان الذين وضعوا أربيل في هذا المصاف المتحضر هم عراقيون قبل ان يكونوا كردا، وهذا ما فعلته اربيل مدينة المستقبل فانتظروها!