TOP

جريدة المدى > سينما > التحليق بأجنحة الحب.. فيلم "الجانب المظلم من القلب"

التحليق بأجنحة الحب.. فيلم "الجانب المظلم من القلب"

نشر في: 17 سبتمبر, 2014: 09:01 م

حين تغدو القصيدة شريطا سينمائيا يُداعب خيالك برؤاه المتفردة ،لن يكون ذلك سوى حلم في أرض لاتينية حيث بوينس ايريس قلب الأرجنتين ومنبع أفكار المجددين سحرة الأدب خوليو كورتاثر ، خورخي بورخيس وبيوي كاساريس . في فيلم "الجانب المظلم من القلب" (1992) يكون ال

حين تغدو القصيدة شريطا سينمائيا يُداعب خيالك برؤاه المتفردة ،لن يكون ذلك سوى حلم في أرض لاتينية حيث بوينس ايريس قلب الأرجنتين ومنبع أفكار المجددين سحرة الأدب خوليو كورتاثر ، خورخي بورخيس وبيوي كاساريس . في فيلم "الجانب المظلم من القلب" (1992) يكون الحوار قصيدة والصورة شكلا يحاور ذلك البوح المحلق في فضاء الإحساس عندما تكونت حكاية قلب راوده الموت فألقى بنفسه تحت أقدام عاطفة ملتهبة مُمسكا بخيط الحياة ورحمة الانكسار. رغم ادراك المخرج ايليسيو سابيلا صعوبة سينمة النص الشعري ،على اعتبار انه سيقع تحت وطأة تحويل السمعي الخيالي الى البصري الحسي ،الا انه كان ذكيا حين اطلق للشعر -دون إفراط- صورته الأصيلة المبنية على المتن الشفاهي للوعي حيث دهشة المفارقة وحرية الخيال مردفا ذلك او مزامنا له بصور سينمائية من الواقعية والواقعية السحرية والسوريالية المبسطة في مقاربة واعية لعقل المتلقي. ومع ان سابيلا وضع الاسم الاول للشاعر الأرجنتيني اوليفيريو غيروندو للشخصية الرئيسية في الفيلم وأشعاره هي التي تتردد في الغالب إلا أن ذلك لم يكن بالضرورة تجسيدا لحياة غيروندو بل هي اقرب ما تكون توصيفا معاصرا لسيرة مرحلة زمنية تجايل فيها عدد بارز من اكبر الشعراء والأدباء والفنانين المعروفين عالميا او على نطاق أميركا اللاتينية ،خصوصا وأن الشاعر والممثل ماريو بنيديتي هو احد كتّاب الفيلم الأربعة -يظهر في مشاهد قليلة يُلقي فيها أشعارا باللغة الألمانية- عاصر هذه النخبة البارزة وعاش عن قُرب كل تفاصيل معاناتهم ،فرحهم وإبداعهم المجنون. في (الجانب المظلم من القلب) يبحث الشاعر اوليفيريو فيرنانديز (الممثل داريو غراندينتي) عن امرأة يعيش معها الحب المنتشي بالتحليق لحظة الذروة ،في مسعى محموم لإضاءة العتمة التي تلف ذلك الجزء حيث التواجد المستمر للموت (الممثلة ناتشا غيفارا) في رؤية تجسيدية لشكل الإحباط الحياتي والخيبات العاطفية المتكررة المقترنة دوما بنصف السرير الذي يهوي بالمرأة نحو القاع .لكن رحلة نهرية تأخذه من مدينته الى مونتفيديو (الأورغواي) –الشاعر ماريو بنيديتي من مواليدها- حيث احد الملاهي الليلية ،هناك كانت آنا (ساندرا باليستيروس) ،عاهرة أعجبته فتقرب اليها مُلقيا شعرهُ على مسامعها كدأبه الذي مابرح يمارسه مع كل امرأة تستهويه او في كل مرة يحتاج فيها الى المال حين يقف على تقاطع اشارات المرور الضوئية ليداعب بكلماته رهافة قلوب العابرين بسياراتهم . وما بين نجاح وخيبة كان يستجمع ما يكفي لقوته ،او حتى حين يكتب قصيدة لصاحب ذلك المطعم الذي يُبادلها بوجبة طعام له ولرفيقيه ،عند سريرها عرف انها تُحب الشعر فأضاء قلبه ،هي في الحقيقة احتفظت بديوان شعر ماريو بنيديتي مع النقود التي كانت تتحصلها في نفس المزهرية ،لديها قلب عاشقة لكن عقلها يعلم حجم متاعب الحياة وأوجاعها لذلك سعت لامتلاك ناصيتها المادية ورفضت حبه المتوقد .مع كل امرأة عرفها شكلت الأثداء جسرا للعبور الى القلب الا مع آنا كان فؤاده الموًّله طريقا للنجاة وحبها حزمة مصابيح اضاءت ذلك الجانب المظلم وطردت بانتزاعها إياه شبح الموت عنه الى الأبد . لم تقدر كل هذه التكوينات البصرية الجميلة ولمسة الكوميديا والجرأة غير المبتذلة في توظيف الجنس والعُري التي حفل بها الفيلم ان تُبعد عن ذهن المشاهد ظهور الممثل داريو غراندينتي بشكل يبدو اصغر من العمر الحقيقي المفترض للشخصية التي يؤديها يعزز ذلك الشعور مسار الحدث وحوارات الشخوص ،كما انه بدا في بعض المشاهد غير مقنع بأدائه الذي ظهر باردا وتعابير وجهه منطفئة في العموم ،ايضا عجز الفيلم عن إعطاء الصورة الواضحة لخلفية الشخصيات الساندة وهي مهمة لفهم البيئة المحيطة بالشاعر مع ان وقت الفيلم ليس بالقصير وكان من الممكن حذف بعض المشاهد لحساب تدعيم هذه الشخوص .ترشح الفيلم كممثل رسمي للأرجنتين في قائمة الأوسكار الأولية لأفضل فيلم اجنبي عام 1992 لكن أمرا ما في الكواليس أدى لاستبداله بفيلم (مكان في العالم) للمخرج ادولف اريستراين والذي اصابته لعنة من سابيلا ليتم استبعاده من قائمة أفلام الجائزة في سابقة للأكاديمية بسبب مخالفة لوائح الترشيح .يتلمس اوليفيريو بعض جروح وجهه مبتسما ببهجة للنور الذي أضاء منه ،كان يردد على مسامعها ..((مسكينتي آنا .. حبيبتي آنا .. انا لا استطيع أبدا الدفع لكِ لقاء ما قدمتهِ لي ..لقد سلطتِ الضوء على ذلك الجانب المظلم من قلبي . لماذا اخترتِ ان تظلي فقيرة بذات الوقت الذي تتركيني فيه ثريا جدا؟)).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

السينما كفن كافكاوي

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram