تتوسع المفاهيم التاريخية في الدراما التلفزيونية تبعا لخيال المؤلف والمخرج على السواء، فتخرج عن وثائقيتها كمعلومة تاريخية يعتمد عليها في الفكر التاريخي. لتدخل ضمن معالجات درامية لا تخلو من سيميائبة تركيبية هي جزء من نص المؤلف، ورؤية
تتوسع المفاهيم التاريخية في الدراما التلفزيونية تبعا لخيال المؤلف والمخرج على السواء، فتخرج عن وثائقيتها كمعلومة تاريخية يعتمد عليها في الفكر التاريخي. لتدخل ضمن معالجات درامية لا تخلو من سيميائبة تركيبية هي جزء من نص المؤلف، ورؤية المخرج، وهذا غالبا موجود في اغلب الدراما التاريخية والتلفزيونية التي نراها على شاشاتنا العربية ، ضمن تفاصيل جمالية تختلف في تنوعاتها الاسلوبية. الا ان مؤلفة مسلسل سرايا عابدين " ، " هبة مشاري حمادة" ، اطلقت مخيلتها الدرامية نحو تفاصيل كان يمكن الالتزام بها، لتتوئم تاريخية المسلسل مع احداثه ووقائعه. لأن المخرج" عمرو عرفة" توازن مع ضخامة الانتاج وعدد الممثلين المشاركين منهم"يسرا" في دور الملكة ( خوشيار) و" قصي الخولي" في دور ( الخديوي اسماعيل) " غادة عادل " ( شمس قادين) " نيللي كريم" ( الاميرة صافيناز) " مي كساب" ( الاميرة شفق) وآخرين .
صراعات درامية داخل " سرايا عابدين" شاهدنا احداثها على مدار حلقات مدة كل منها خمسون دقيقة، فالحلقات تتابعت ورسمت احداثها داخل القصر غالبا في تصوير حركي تتابعي ضمن المشهد الواحد حيث لعبت دور البطولة الفنانة القديرة " يسرا" مع الفنان السوري " قصى الخولي" وقد استطاعت اظهار ملامحها التمثيلية باندماج كلي مع الدور، وبنكهة لم تخل من تراث تركي في لهجة عربية تابعها الجمهور برومانسية استكملتها الديكورات، والملابس، والاضاءة، والموسيقى ، عوامل ساعدت في الإمتاع البصري والسمعي، ولكن المسلسل لم يضف ثقافيا بشكل حقيقي على المشاهد المعلومات التاريخية كما يجب. لتترسخ في ذهنه ثقافة تاريخية بجذور تثير قضايا سياسية بكل معنى الكلمة او اجتماعيات يمكن الاهتمام بها. انما منح المؤامرات والدسائس، وقصص الحب الاهمية الاولى مع بعض المشاريع التي قام بها "الخديوي اسماعيل" اهمية، فهل هذا تجاهل درامي لواقع تاريخي؟ ام هو قضية دراما تستأثر بمراحل معينة تظهرها للجمهور العربي بسخاء انتاجي قادر على امتلاك مفاتيح الجمال، لإغراق المشاهد بما يبهر العين؟
مخزون أدائي وخبرة فنية تمثيلية لا يمكن انكارها على الفنانة" يسرا " ففي دور الأم للخديوي اسماعيل ودور الجدة لأحفاد استمتعنا بهم وبصدقية تفاعلاتهم التمثيلية في مسلسل استطاعت الفنانه" يسرا" فيه اضافة هوية جديدة على تاريخها الفني من حيث تجسيد الدور او بالاحرى تقمصه ومعايشته، بروح لم تخل من النكتة المحببة التي تسري في نفس المشاهد بصدق وعفوية تناقضت فيها مع الممثل " قصي الخولي " الذي شعرنا معه بشخصية رجل السياسة الملم بكل ما حوله من داخل القصر وخارجه، وحتى بين زوجاته، وبجدية فرضها على ملامحه التمثيلية المشحونة بتعبيرات لم تخرج كلها. اذا تقيد بالأداء دون ان يضيف عليه من روحه لمسة" قصي الخولي" التي نعرفها بل جسد دوره بدرجة لم تتصاعد تمثيليا. انما حافظت بتوازن على الأداء الملكي لرجل جلس على كرسي العرش ، وهذا لا ينفي قدراته التمثيلية التي استمتعنا بها في المسلسل مع باقي الممثلين دون استثناء ، وبهذا الخليط العربي من الدول العربية مصر وسوريا ولبنان ، وما الى ذلك من دول اخرى . انما اتسم تقمصه للدور بجدية يشوبها الحذر، ولم نشعر بمتانة الترابط بينه وبين الكاميرا. او قدرته على التفاعل الدرامي باعتدال، وربما هذا ما فرضته عليه شخصية" الخديوي اسماعيل" بكل أبعادها التاريخية التي ابتعدت عنها المؤلفة" هبة مشاري حمادة "
انفصال فني عن التاريخ، وتلاحم مشاهد ارتبطت مع بعضها البعض بمختلف النواحي الفنية، فالموسيقى التصويرية للمؤلف التركي" فاهير اتك أوغلو" التي بدأت مع نغمات تراجيدية تلامس بوجدانيتها الحس التخيلي مع تناسب موضوعي بين الحركة والاحداث، والمشهد تبعا لموضوعه وما يجري فيه خصوصا موسيقى الإيحاء المكملة للمشهد او التي تمثل الحدث حسيا مثل الموسيقى عند الفرح او الموت ، وما يتبعها من مؤثرات سمعية هي جزء مهم من العمل الدرامي الذي استطاع من خلاله الممثلين إسباغ جمالية خاصة منسجمة مع مدى التوافق بينهم، وبروح فنية نبعت من قدراتهم المتلاحمة مع قدرات المخرج والمنفصلة عن القصة ومؤلفتها. ما ترك للمشاهد فرصة الاستمتاع بالحلقات مبتعدا عن تاريخية المسلسل ، ومدى مصداقيته من حيث حياة " الخديوي اسماعيل" وتفاصيل قصره السرية التي تحتاج الى جزء من حقيقة وتخيلات نابعة من قوة الحدث، ومخيلة الكاتب، وهذا ما لم يتضح بشكل ملموس في المسلسل ومرتكزاته التقنية من حيث النص الدرامي، وقدراته على بث الحقائق التاريخية قيمة فنية تطغى على مؤثرات العمل وعناصره، وهذا ما انعكس على المسلسل بشكل عام حيث تكامل الاخراج والكادر الفني بمعزل عن القصة الحقيقة التي استوحت منها" هبة مشاري حمادة " ما استوحته .
يقول آلان روب غرييه " ان معاني العالم الذي حولنا الآن ليست إلا جزئية ومؤقتة ومتناقضة وقابلة دائما للنقاش والبحث، فكيف يستطيع العمل الفني إذن أن يدعي تصوير معنى معروف مسبق مهما كان هذا المعنى؟ هل للواقع معنى ؟ " وهل من قصة حقيقية في التاريخ يمكن الاعتماد عليها دراميا، لنستوحي منها تفاصيل نبني عليها الاحداث المهمة او الموضوعات والافكار المأثورة تاريخيا ؟ ام ان الحبكة والشخصيات، والحوارات ارتبطت بما كتب عند بداية شارة المسلسل : " دراما مستوحاة من قصة حقيقية".