تثير ردود الفعل على اعتقال اثنين من قياديي جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، عدة تساؤلات، لعل أبرزها يدور حول توصيف الجانبين للمعتقلين، فالدولة تعتبر أحدهما مناهضاً للحكم والآخر مسيئاً للجيش ومثيراً للنعرات, بينما تصفهما الجماعة بأنهما من العلماء الأفاضل، وتتهم الحكومة بالعودة إلى سياسات الاعتقالات والمحاكمات، وبتُهم جاهزة وتحويلات فورية إلى محكمة أمن الدولة, وهذا عندها انتهاك للحريات العامة مرفوض شرعياً ودستورياً، وهم هنا يخلطون بين الشرع الذي يطالبون بتطبيقه عبرهم وبين الدستور المرفوض لأنه وضعي، ويسعون لاستثارة الشارع بإعلان "استهجانهم" لهذه الأساليب والمنهجية في التعاطي مع المواطنين، ومصادرة حرياتهم وزجهم في غياهب المعتقلات لمجرد إبداء الرأي.
نتفق مع الجماعة في جزئية عدم جواز مصادرة الحريات، والتعدي على حقوق الناس في إبداء رأيهم، وتحويل المدنيين إلى محاكم ليست مدنية بالكامل، ونعتبر ذلك معهم خرقاً للقوانين والدستور والمعاهدات المحلية والدولية، لكننا نختلف جذرياً معهم حين زعمهم بأنهم يتحدثون باسم الشعب الأردني وقواه الحية، ويضعون أنفسهم في مقدمة هذه القوى، وأنهم رسموا أبهى صورة للمطالبة بالإصلاح المنشود ضمن نهج سلمي مدني حضاري، فالتجربة المصرية كانت مرشحة للتطبيق في كل دولة يصل فيها الإخوان للسلطة، وقد سمعنا عنعناتهم بعد انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية، وكان طمعهم في الحكم شديد الوضوح عندما حكم مرشدهم أرض الكنانة، ما يؤكد أنهم طلاب حكم قبل أن يكونوا إصلاحيين، وأن جمعيتهم ليست غير واجهة لتنظيم سري انقلابي، كشف عنه مؤخراً قياديون منهم انشقوا عن الجمعية، وهي ليست مرخصة كحزب، لكنها تمارس العمل الحزبي المنظم بالضد من القانون.
لم يكتف الإخوان بإصدار بيان لشجب خطوة الحكومة، فحاولوا الضغط بتحريك الشارع، اعتصم عدد منهم عند واحد من أهم مفاصل العاصمة وأغلقوا بعض الطرقات، غير أن قوات الدرك فضّت اعتصامهم سريعاً باعتباره تجمعاً غير مشروع ولا مرخص، وهم قبل ذلك يستنكرون مشاركة الأردن في الحرب ضد داعش، خشية أن تصيبهم بمكروه، لإدراكهم أنهم معها يشربون من نفس النبع، وأنها وإن تطرفت أكثر منهم، بُنيت على أسس واحدة ترفض الديمقراطية وحكم الشعب، وتسعى لحكم الله باعتبار أنهم وكلاء عنه، ولذلك هاجموا تشريع قانون مكافحة الإرهاب، واعتبروه مقدمة لتصفية تنظيمهم، وسرّبوا عبر بعض مدعي الكتابة، أن بين يديهم خيارات للمواجهة دون الإفصاح عنها، ما اعتبره الكثيرون تهديداً مبطناً للدولة والنظام.
تربط الأبواق الإخوانية بشكل مفضوح بين المحاكمة المنتظرة لاثنين من قيادييها، وما تزعم أنه "تحالف صهيوأمريكي واستحقاقاته في المنطقة بحجة الإرهاب"، وتعتبر أن هذا الاعتقال "يأتي كمؤشر على خضوع النظام لضغوط الإقليم، الذي يشن حربا آثمة على كل ما هو إسلامي، حتى وإن كان معتدلاً متسامحاً، أو مقاوماً في ميدانه على أرض فلسطين وغزة"، وهم يعترفون مُرغمين أن السند الشعبي غير متوافر لهم، ويبررون ذلك بأنه نتيجة الإرهاب والرسمي، واضطرابات المحيط، غير أنهم حين تأخذهم العزة بالإثم، يقررون أن هذا السند غير متوافر أيضاً للنظام، المتهم عندهم بالتشابك في وجوده وبرامجه مع أعداء الأمة التاريخيين، ويتهمونه بغياب العقل أمام الضغوطات والإغراءات، وأنه على طريق انهيار قيمة الأخلاقية، وكأنه بحاجة إليهم لتلقينه دروساً في الوطنية والأخلاق، وهنا فإن عليهم إدراك أن على من يسكن بيتاً من زجاج عدم قذف بيوت الآخرين بالحجارة، وأنهم مهما تفجرت حناجرهم بالصراخ، سيظلون مهما أسبغوا على قادتهم من أوصاف وألقاب، تحت سقف القانون.
الإخوان والخضوع للقانون
[post-views]
نشر في: 17 سبتمبر, 2014: 09:01 م