فشل دعاة الاستقلال في تحقيق هدف انفصال إسكتلندا عن المملكة المتحدة، وتنفست لندن ومعظم عواصم الغرب الصعداء، فقد كان متوقعاً أن يكون الطلاق مؤلماً بعد زواج كان عند الكثيرين زواجاً دون حب أملته المصلحة، لكنه استمر 307 سنوات، وبات على بريطانيا اليوم أن تفي بوعودها فتنقل سلطات أوسع إلى إسكتلندا، التي لعب أبناؤها دوراً مهماً في إدارة الإمبراطورية البريطانية، ونبغ منهم مخترعون ملأوا الدنيا وشغلوا الناس، فأبناؤها اخترعوا الهاتف والتلفزيون والرادار والبنسلين، وغير ذلك الكثير.
كانت الوحدة معمدة بدم الإسكتلنديين، الذين استحوذت عليهم المشاعر الوطنية، فظلوا يدعون للاستقلال، وإذا كان المؤمنون بالوحدة قد نجحوا اليوم بصعوبة، فإن الاستفتاء بحد ذاته يعتبر انتصاراً لإسكتلندا، التي لم يكن انفصالها يعني قيام الساعة، لكنه كان سيؤدي إلى عدة معضلات بعضها متعلق بسباق أوروبي مع مشاعر انفصالية في كاتلونيا الإسبانية ، أنعشها التصميم الإسكتلندي، وآخر مع خيارات اقتصادية يحتاج تدبيرها إلى الكثير من الحنكة،مع ما يعتري منطقة اليورو من تهالك اقتصادي، وبعضها خاص بالدولة الجديدة التي حذر كثيرون من عواقب ولادتها في مجالات حيوية، مثل العملة والاستثمار والمعاشات التقاعدية وهبوط العائدات المتحققة من نفط بحر الشمال، وإن رأى البعض في هذا التشاؤم محاولة للتأثير على خيارات الإسكتلنديين الراغبين بالاستقلال.
رغم ان حزب العمال كان دائما اكثر شعبية في إسكتلندا من المحافظين فان رئيس الوزراء المحافظ مدفوعا بالمصلحة الوطنية دعا خصمة اللدود زعيم حزب العمال للمشاركة في دعوة الإسكتلنديين للبقاء ضمن دائرة الاتحاد، فقد كان لاستقلال إسكتلندا أن يؤثر على السياسة الخارجية والأمنية لبريطانيا وموقعها على الساحة الدولية عموماً، في سياق الصعود القوي لروسيا وترنح الشرق الأوسط، كان دورها سيتقلص في حلف شمال الأطلسي، وتتضرر علاقتها مع أميركا، وتصير بريطانيا العظمى أضعف في كل المنظمات الدولية، وبالتأكيد ستصير أضعف في مفاوضاتها المقبلة مع الاتحاد الأوروبي، وربما تخسر مقعدها الدائم في مجلس الأمن، وكان للانفصال أن يجدد التساؤلات عن قدرة الأطلسي على مواجهة روسيا في أوروبا الشرقية.
من بكين إلى واشنطن ومن موسكو إلى نيودلهي، كانت أكثر دول العالم تأمل أن تبقى بريطانيا موحدة، لئلا تؤسس لسابقة مُعدية، وفيما أكدت لندن أنها ستحترم قرار الإسكتلنديين في صناديق الاقتراع، أعلنت ألمانيا أنها تفضل بقاء بريطانيا موحدة، بينما أملت دول أوروبية أخرى مثل إسبانيا وبلجيكا وإيطاليا، ألا يفاقم تصويت الإسكتلنديين بنعم مشاكل تؤثر في تماسكها الوطني، فيما تتمنى روسيا والصين لأسباب داخلية عدم حدوث اضطرابات في الدولة الاستعمارية القديمة، في ظل حرصهما على إخماد رغبات الانفصال داخل أراضيهما، وفي المقابل، تتطلع جماعات محرومة من دولة مستقلة إلى استقلال إسكتلندا، وبينها الفلسطينيون والكاتالونيون في إسبانيا والكشميريون في الهند والكرد في تركيا والعراق وسوريا وإيران.
لم تنفع كل المظاهر التي سادت مدن إسكتلندا، لا الأغاني التي صدحت في الساحات، ولا افتراش الشبان للشوارع، لا الندوات وخطابات التوعية، ولا ترجيع قلعة أدنبرة لصدى المزامير الإسكتلندية التقليدية الشهيرة، ولا استعراض الرجال الذين يرتدون التنانير العريقة، وهم يتمخترون في الشوارع ويتبادلون أحاديث الاستقلال في الحانات والخمّارات وعلب الليل ومقاهي الأرصفة، لم يكن مُجدياً تنامي الرغبة في ترسيخ الهوية والتاريخ والثقافة، ولم تنفع استعادة التاريخ الدموي للقتال ضد الإنكليز الذي انبعث من تحت رماده، ظلت المملكة متحدة، وظل النشيد الوطني البريطاني يقول في أحد أبياته "احفظ يا رب المارشال واد الذي سحق المتمردين الإسكتلنديين".
وظلّت المملكة متّحدة
[post-views]
نشر في: 19 سبتمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
هل يستطيع العربي ان يفعلها كما فعلها الاسكتلندي لا ورب الكعبة وسيبقى العربي عارا تتوارثه الاجيال