TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أزمة الثقافة في بلادنا وبرامج الأحزاب

أزمة الثقافة في بلادنا وبرامج الأحزاب

نشر في: 20 سبتمبر, 2014: 09:01 م

1
في زمننا هذا ، وفي البلدان المتقدمة والبلاد التي تصنف من بلدان العالم الثالث المتطورة نسبيا ، ليست ثمة مفاضلة بين التنمية الثقافية و التنمية الاقتصادية والاجتماعية . وترتبط التنمية الثقافية ارتباطا جذريا بالتخطيط العام لمشاريع الدولة في مجال التربية والتعليم والاهتمام بالمناهج المتطورة الخالية من شوائب التعصب ورفض الآخر وإقصائه ، ففي مقدمة إعلان اليونسكو للتنوع الثقافي يرد مايلي "ان الثقافة تحتل مكان الصدارة في المناقشات المعاصرة بشأن الهوية والتلاحم الاجتماعي وتنمية اقتصاد قائم على المعرفة." فهل لدينا اقتصاد قائم على المعرفة بخاصة فيما يخص الاستثمار في الثقافة ؟؟ أشك في أن المعنيين الرسميين بالثقافة يهتمون بالتنمية الثقافية القائمة على المعرفة بل انهم يتجاهلون كون الثقافة هي الجزء الاهم في مساعي التنمية البشرية ورغم ثقافة الاستهلاك ، آمنت الدول الديموقراطية بأن التقدم العلمي والاقتصادي والتقني لايمكن ان ينجح مالم يوازيه تقدم على مستوى السلام والأمن المجتمعي والعلاقات الانسانية والتطور الثقافي وان أزمة العالم الراهن هي في أساسها أزمة ثقافية تتجلى بوضوح في الصراع بين ثقافة التشدد وثقافة التسامح.
لكي يحقق المرء انسانيته ويشعر بالكرامة الإنسانية و يهدئ مخاوفه الغريزية- لابد له من ممارسة الفن والإبداع للتعبير عن ذاته وتطلعاته وأشواقه فمنذ ان اخترع انسان مابين النهرين الكتابة على الطين تغيّر مصير البشرية وارتقى الانسان بالثقافة التي ابتكرها وما عاد شبيها بالحيوان الذي ينشغل بالضرورات الاولية من غذاء ومأوى واصبحت ممارسة الانسان للفن وتذوقه –ادبا وغناء وموسيقى ورقصا ورسما ونحتا – بمثابة قوة حيوية تحفز قواه الروحية والفكرية والعاطفية وتبرهن على حريته فيحقق بالثقافة تنمية ذاته ومجتمعه ولأن الأنظمة الاستبدادية تدرك هذه الحقيقة فهي تعمد -الى حرمانه من الضرورات الأولية لتحاصره بالعوز وانعدام الخدمات الأساسية والأزمات المفتعلة لتحول بينه وبين الانصراف للإبداع والنتاج الفكري ولتضمن تبعيته لا كمواطن له حقوق المواطنة بل كواحد من رعيتها المدجنين ..
2
دأبت القوى والأحزاب الحاكمة سابقا وراهنا – على توظيف جميع فروع الثقافة لايدلوجيتها فهي تطوّعها لمصالحها الحزبية دون اعتبار لمصلحة الوطن حتى اكتمل تسطيح النتاج الثقافي ووصل حضيض الإسفاف في ترويجه لايدلوجيا الفئة الحاكمة، وهذه السلطة التي ترى العالم بلون واحد لخدمة مشاريعها السلطوية تغض النظر عن تجاوزات أعضاء الجماعات المسلحة في تصديهم للحريات العامة و المؤسسات الثقافية وتتيح لهم مصادرة الحريات الشخصية المكفولة بالدستور والاعلان العالمي لحقوق الانسان كما تسمح لهؤلاء الذين يمثلون أذرعها الخفية -أن يمنعوا الانشطة الثقافية والفنية بذرائع تنتهك الدستور والمواثيق الدولية اضافة الى عدم اعتراف السلطة عمليا بالتعددية الثقافية وتجاهل حقيقة ان ازدهار البلد الثقافي هو الداعم للتجربة الديموقراطية و الضامن للتنمية البشرية ومحاربة الارهاب والقضاء على البؤر الظلامية ولو تفحصنا برامج الأحزاب والكتل المتحاصصة في السلطة فإننا لا نعثر على مشاريع للتنمية الثقافية أو اعتماد اقتصاد قائم على المعرفة ، بل سيقول لك أحدهم وماشأننا باقتصاد المعرفة ونحن في مرحلة مواجهة الإرهاب ؟؟ إن الاولوية لحماية الأمن الوطني ومحاربة العدو الخفي والظاهر وحتى المفتعل لتحتفظ الأحزاب و الفئات الحاكمة بهيمنتها وسطوتها على عقول الناس وحياتهم ويصرح قادتها : لاتطالبوا بالكثير الآن ونحن نحارب الإرهاب ، وهم يعلمون جيدا لو كانوا مخلصين للوطن والثقافة أن التنمية الثقافية كمشروع وطني متكامل هي ما يحمي المواطن والوطن من جانحة أي ارهاب وعبر التنمية الثقافية سنقطف ثمار الأمان المجتمعي ونعزز مهارات الأفراد ليسهموا في إعادة بناء انفسهم والبلاد الخربة.
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ثابت نعمان اسماعيل

    كمايدرك أصحاب المشروع الثقافي النهضوي ،أن التغيير العام والشامل يبدأ من التنمية البشرية وفي مقدمتها الثقافة . كذلك يدرك أصحاب المشروع الظلامي خطر الثقافة على مشروعهم فيعمدون الى إبقاء الجهل والتخلف لتسهيل مهمة قيادة الجماهير بإتجاه تحقيق مشروعهم . والحقي

يحدث الآن

تعطيل الدوام غداً في ذكرى النصر على داعش

الخطوط العراقية: 1523 رحلة و214 ألف مسافر خلال تشرين الثاني

العدل: تأهيل 3000 حدث خلال عامين وتحديث مناهج التدريب وفق سوق العمل

إيران تكشف لغمًا جوّيًا يصطاد الطائرات المسيّرة من السماء

هيئة الرصد تسجل 8 هزات أرضية في العراق والمناطق المجاورة خلال أسبوع

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram