1
في زمننا هذا ، وفي البلدان المتقدمة والبلاد التي تصنف من بلدان العالم الثالث المتطورة نسبيا ، ليست ثمة مفاضلة بين التنمية الثقافية و التنمية الاقتصادية والاجتماعية . وترتبط التنمية الثقافية ارتباطا جذريا بالتخطيط العام لمشاريع الدولة في مجال التربية والتعليم والاهتمام بالمناهج المتطورة الخالية من شوائب التعصب ورفض الآخر وإقصائه ، ففي مقدمة إعلان اليونسكو للتنوع الثقافي يرد مايلي "ان الثقافة تحتل مكان الصدارة في المناقشات المعاصرة بشأن الهوية والتلاحم الاجتماعي وتنمية اقتصاد قائم على المعرفة." فهل لدينا اقتصاد قائم على المعرفة بخاصة فيما يخص الاستثمار في الثقافة ؟؟ أشك في أن المعنيين الرسميين بالثقافة يهتمون بالتنمية الثقافية القائمة على المعرفة بل انهم يتجاهلون كون الثقافة هي الجزء الاهم في مساعي التنمية البشرية ورغم ثقافة الاستهلاك ، آمنت الدول الديموقراطية بأن التقدم العلمي والاقتصادي والتقني لايمكن ان ينجح مالم يوازيه تقدم على مستوى السلام والأمن المجتمعي والعلاقات الانسانية والتطور الثقافي وان أزمة العالم الراهن هي في أساسها أزمة ثقافية تتجلى بوضوح في الصراع بين ثقافة التشدد وثقافة التسامح.
لكي يحقق المرء انسانيته ويشعر بالكرامة الإنسانية و يهدئ مخاوفه الغريزية- لابد له من ممارسة الفن والإبداع للتعبير عن ذاته وتطلعاته وأشواقه فمنذ ان اخترع انسان مابين النهرين الكتابة على الطين تغيّر مصير البشرية وارتقى الانسان بالثقافة التي ابتكرها وما عاد شبيها بالحيوان الذي ينشغل بالضرورات الاولية من غذاء ومأوى واصبحت ممارسة الانسان للفن وتذوقه –ادبا وغناء وموسيقى ورقصا ورسما ونحتا – بمثابة قوة حيوية تحفز قواه الروحية والفكرية والعاطفية وتبرهن على حريته فيحقق بالثقافة تنمية ذاته ومجتمعه ولأن الأنظمة الاستبدادية تدرك هذه الحقيقة فهي تعمد -الى حرمانه من الضرورات الأولية لتحاصره بالعوز وانعدام الخدمات الأساسية والأزمات المفتعلة لتحول بينه وبين الانصراف للإبداع والنتاج الفكري ولتضمن تبعيته لا كمواطن له حقوق المواطنة بل كواحد من رعيتها المدجنين ..
2
دأبت القوى والأحزاب الحاكمة سابقا وراهنا – على توظيف جميع فروع الثقافة لايدلوجيتها فهي تطوّعها لمصالحها الحزبية دون اعتبار لمصلحة الوطن حتى اكتمل تسطيح النتاج الثقافي ووصل حضيض الإسفاف في ترويجه لايدلوجيا الفئة الحاكمة، وهذه السلطة التي ترى العالم بلون واحد لخدمة مشاريعها السلطوية تغض النظر عن تجاوزات أعضاء الجماعات المسلحة في تصديهم للحريات العامة و المؤسسات الثقافية وتتيح لهم مصادرة الحريات الشخصية المكفولة بالدستور والاعلان العالمي لحقوق الانسان كما تسمح لهؤلاء الذين يمثلون أذرعها الخفية -أن يمنعوا الانشطة الثقافية والفنية بذرائع تنتهك الدستور والمواثيق الدولية اضافة الى عدم اعتراف السلطة عمليا بالتعددية الثقافية وتجاهل حقيقة ان ازدهار البلد الثقافي هو الداعم للتجربة الديموقراطية و الضامن للتنمية البشرية ومحاربة الارهاب والقضاء على البؤر الظلامية ولو تفحصنا برامج الأحزاب والكتل المتحاصصة في السلطة فإننا لا نعثر على مشاريع للتنمية الثقافية أو اعتماد اقتصاد قائم على المعرفة ، بل سيقول لك أحدهم وماشأننا باقتصاد المعرفة ونحن في مرحلة مواجهة الإرهاب ؟؟ إن الاولوية لحماية الأمن الوطني ومحاربة العدو الخفي والظاهر وحتى المفتعل لتحتفظ الأحزاب و الفئات الحاكمة بهيمنتها وسطوتها على عقول الناس وحياتهم ويصرح قادتها : لاتطالبوا بالكثير الآن ونحن نحارب الإرهاب ، وهم يعلمون جيدا لو كانوا مخلصين للوطن والثقافة أن التنمية الثقافية كمشروع وطني متكامل هي ما يحمي المواطن والوطن من جانحة أي ارهاب وعبر التنمية الثقافية سنقطف ثمار الأمان المجتمعي ونعزز مهارات الأفراد ليسهموا في إعادة بناء انفسهم والبلاد الخربة.
يتبع
أزمة الثقافة في بلادنا وبرامج الأحزاب
[post-views]
نشر في: 20 سبتمبر, 2014: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
ثابت نعمان اسماعيل
كمايدرك أصحاب المشروع الثقافي النهضوي ،أن التغيير العام والشامل يبدأ من التنمية البشرية وفي مقدمتها الثقافة . كذلك يدرك أصحاب المشروع الظلامي خطر الثقافة على مشروعهم فيعمدون الى إبقاء الجهل والتخلف لتسهيل مهمة قيادة الجماهير بإتجاه تحقيق مشروعهم . والحقي