هي مفاجأة حقاً، أليس كذلك؟ ان يصوت الشعب الاسكتلندي على البقاء تحت راية المملكة المتحدة، ويفسد بقرار تأريخي أماني دعاة (الاستقلال) ويجعل من رغبتهم في(الحرية) خارج متن العقل والمصلحة الوطنية، وليمنح الشعب الاسكتلندي العالمَ درساً جديداً، ما أحوجنا إليه نحن في الشرق الاوسط، نحن الذين عانينا من الذين ظلوا يرفعون بيارق الوحدة والوطنية والقومية والاشتراكية والاستقلال طوال القرن الماضي، وقد قدمنا خيرة رجالنا، وتحطم قوي اقتصادنا وهزمت نفوسنا وصار بنا ما لا يصار تحت رفرفة البيارق تلك، التي لم نجن منها سوى الخيبات.
أن تفكر وتعمل الشعوب خارج عواطفها وتجد وتجتهد بناء على جملة منافع اجتماعية –اقتصادية- أمنية..... أمر لا يختلف عليه اثنان مثلما لا ينتطح فيه عنزان، كما تقول العرب، لكن ان تعمل العواطف والآمال الفارغة، غير المنتظمة في إطار العقل لتحل محل المصلحة الوطنية والمستقبل الآمن في الغذاء والعيش الكريم والحدود المتعارف عليها ضمن القانون والمؤسسات الدستورية وحقوق الإنسان ومجمل الحريات العامة والشخصية، داخل إطار الدولة المدنية.. ذلك لعمري هو الجهل والتخبط والتفريط بأبسط ممكنات الحياة، ولعلنا لا نضيف جملة إذا قلنا : ترى ماذا جنينا من حكم الجمهوريات (الوطنية- المستقلة) منذ عقود؟
غالبية الشعب العراقي الذي خرج يندد ويرفض ويموت واقفا وهو يهتف بسقوط المعاهدات والأحلاف التي كان العراق قد أبرمها أيام الحكم الملكي لم يكن يعلم بمحتوى بنود الاتفاقيات تلك ربما، لكنه كان منساقا وراء قادته السياسيين ورافعي رايات (انتصاراته) الوهمية .وهناك المئات من القضايا التي ظل يجمع على رفضها دونما معرفة بجوهرها، وكنا شهدنا خسارات كبيرة أعقبت مواقفه تلك.
قد يفهم من حديثنا هذا أننا من دعاة العبودية والتبعية والارتباط بالاستعمار، وهذا ما لا يرتضيه عاقل لنفسه، لكن خيباتنا طوال قرن من الزمن في الحكم الوطني المستقل تجعلنا نرتضي –مكرهين- بمستويات من وصاية غيرنا، لأننا قاصرون بحق على منهجة اوضاعنا، غير قادرين على إدارة شئوننا في الإدارة بخاصة، ومن لا يملك إدارة ناجحة لا يُرتجى منه مستقبل آمن. وانا أرفع قبعتي لمن يدلني على إدارة ناجحة في وزارة ما، مؤسسة ما على طول العراق وعرضه. ومما يؤسف له أننا لا نستعين بذوي الرأي والتجارب الناجحة من خارج محيطنا، لا بل نصر على أوهام قدرتنا، وننافج فخورين بأننا لا نستعين بأحد، حتى أن صدام حسين حين خسر معركة المحمرة قال : انسحبنا انسحابا منظما. وسمى هزيمته في الكويت بالعبور الناجز. وحتى اليوم نجد بيننا من يخفق ويخسر لكنه يكابر بأنه ما زال قويا، ولم تكن خسارته بالكبيرة. هناك داء من عصاب ومكابرة يعاني منها كثيرون بيننا.
في كل مرة تدمر اسرائيل غزة او جنوب لبنان، وفي العراق من قبل. لكن القادة هناك لا يعترفون بحجم الدمار إنما يتحدثون عن نصر كبير، وهزيمة للعدو. وفي العراق يتضح بأن قدراتنا العسكرية غير قادرة على تحرير الموصل وتكريت وعشرات المدن من قبضة داعش، لكننا نجد بيننا -قادة وسياسيين كبار وعامة- من ينفخ ويقول بعدم حاجتنا للدعم الدولي. والأمر لا يتعلق بالجيش إنما في كل مفاصل الحياة نحن بحاجة للخبراء . ورحم الله جورج طرابيشي حين قال: العرب عيال على غيرهم في كل العلوم إلا في علوم القرآن، بمعنى أننا خارج متن علوم الناس في الفيزياء والكيمياء والرياضيات وبقية رياضات العقل، وقد وصلتنا من الأعاجم الذين حولنا.
تجربة اسكتلندا تعني لنا الكثير، ذلك لأن الاسكتلندي فكر باقتصاده وبحركة المال في مصارفة وبمقدار تجارته مع العالم وفكر بمستوى دخل الفرد وتجاوز ذلك إلى مصروف ابنه اليومي بحساب دقيق يتجاوز المشاعر والعواطف والشعور بالزهو الفارغ، يتجاوزه إلى كل ما هو حقيقي يمس مستقبل الفرد ومستقبل أسرته.
الدرس الاسكتلندي
[post-views]
نشر في: 20 سبتمبر, 2014: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
والله اننا لانشبه احدا من بقاع الارض لربما نتشابه مع العرب بتخلفنا وتريد ان تقارن بيننا وبين الاسكتلندي ولو بالشيْ البسيط لايااستاذ طالب اننا لانشبه الاانفسنا المريضة لالتي لاتشفى من ذاك الداء