TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حصانة  ... حصان 

حصانة  ... حصان 

نشر في: 20 سبتمبر, 2014: 09:01 م

أبناء منطقة الكاظمية الكرام معروفون بلهجتهم الخاصة ، فحين يطلب احدهم من الاخر جلب شيء معين  يقول ،  اطياني ، اعطني ، واكتبيالي ، اكتبه ، وغيرها من المفردات على ذات الايقاع والوزن ، لا يجيدها الا الكواظمة ، ومن يرغب في تقليدهم سيواجه الفشل لانه سيجد صعوبة في لفظ الكثير من الكلمات ، ومن مميزات لهجتهم ايضا انهم يسمون الفرس "حصانة " والمفردة لاعلاقة  بالحصانة البرلمانية والدبلوماسية ، ويقصدون بها فرس العربة سواء الربل ابو حصانين او الاخرى المخصصة لنقل مختلف البضائع قبل شيوع استخدام السيارات .
الحصانة بلهجة اهل الكاظمية ربما تصلح ان تكون صفة ملائمة  لشخصيات دخلت الى المشهد السياسي من "الرازونة"  وفرضت حضورها بعقد  صفقات  وتفاهمات مع جهات متنفذة حققت مكاسب للطرفين، من قبيل الحصول على مقعد تعويضي في "الربل ابو الجرس" والتوجه الى باب الدروازة ، وقائد العربة "العربنجي"  يحرص على وضع الجرس في عربته  لغرض تنبيه المارة ، بالضغط على نابض يكون عادة تحت القدم  ، وعلى ايقاعه مع ضربات خفيفة  بالسوط تتسارع خطوات الخيل ، وفي نهاية الرحلة تأخذ "الحصانة" قسطا من الراحة استعدادا لاخرى جديدة  فيما يتوجه "القائد "الى اقرب مقهى لتناول الشاي ثم تدخين سيجارة  مزبن او من نوع الجمهوري بدون فلتر او اجنبية فاخرة اذا كان "الوارد" يسمح بهذا الترف ، بمرور الزمن اختفت  تلك الصور ، وماعادت "الحصانة" هي الفرس ، وانما استخدمت المفردة في موقعها الصحيح عندما ارتبطت بمجلس النواب ومنحت لأعضائه ، لا ترفع الا بقرار قضائي .
الحصانة البرلمانية  لنائب متورط بملفات فساد ، واخر متهم بقتل ابرياء وثالث يحرض على العنف ، ورابع يمتلك فضائية سخرها لإثارة الفتنة الطائفية وخامس رفع شعار لا موسيقى ولا غناء ولا نحت ورسم في العراق ،هؤلاء  وامثالهم  هم من احتل المشهد ، وبسبب مواقفهم وارائهم ، تراجع العراق الى عصور ما قبل التاريخ ، وحتى في تلك العصور منحت الحصانة والامتيازات  للكهنة وبطانة الملوك وعناصر حماياتهم ،  فحصلوا على حق امتلاك العربات ، وبغياب الخيل يسخرون البشر لجر عرباتهم الى منازلهم الواقعة في اماكن مرتفعة ، لانهم يعتقدون بانهم الاجدر في الاقامة بالقمم ،  اما الاخرون فمكانهم السفوح والاودية وبجوار القمامة . 
الفرق بين الحاكم والمحكوم  شاسع وكبير ولم يستطع بنو البشر منذ وجودهم على الارض وحتى الان الغاءه ، وترسخ بالتفاوت الطبقي ، واستحواذ فئة محددة على السلطة ، ومنح الحصانة البرلمانية والدبلوماسية لمن لا يستحقها ،فظلت المعادلة مضطربة ، والصراع قائما واخذ في بعض الاحيان طابع مواجهات مسلحة  بين رجال السلطة ، ومن يحاول الاستحواذ عليها ، اما المحكوم القابع في زاويته المهملة ، فليس امامه الا انتظار ساعة الرحيل الى العالم الاخر ومواجهة منكر ونكير بعتاب شديد اللهجة ، لحرمانه من الحصول على "حصانة عربانة" تعينه في الحصول على الدخل اليومي .  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. حيدر عزيز

    لله درك يااستاذ علاء وعذرا فاذا كنا نملك (واهس) لكي نكتب ونرد ونتناقش فيما مضى اما الان فلا....رغم وجود امل عند المتفائلين لان الهوة كبيرة والصدمة موجعة ولاثقة نضعها بمن لاصدق عنده... الا ان كلماتكم مدوية وتصل اسماعهم رغما عن انوفهم

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram