اخر بشارة وردت من مجلس النواب ان موقفنا المالي كدولة ضعيف بنسبة سبعين بالمائة عن المعتاد، ومقارنة بالوضع شبه المستقر مطلع العام الماضي. فالصندوق الذي نضع فيه عوائد البترول وننفق منها رواتب ومشاريع، كان يحافظ على مبلغ بمعدل عشرة الى خمسة عشر مليار دولار، اما الان فان اخر معلومة من اخر اسبوع في حكومة المالكي اكدت للبرلمان وجود ستة مليارات دولار، لكن اول معلومة من عهد العبادي تتحدث للبرلمان ايضا، تؤكد وجود ثلاثة مليارات دولار امريكي فقط. اي ان الفرق بين وضع "جيبنا" الوطني حاليا، ومقارنة بمطلع العام الماضي، متراجع بنحو الثلثين (من معدل عشرة الى ثلاثة مليارات فقط)، وفق هذا المعيار.
ووفق حساب بسيط وانا لا ازعم عبقرية حسابية، فان عوائد النفط تأتي لنا بنحو ٣ مليارات دولار كل عشرة ايام وتودع في الصندوق ذاته (اضرب قرابة ثلاثة ملايين برميل يوميا، بقرابة مائة دولار). يعني ان جيبنا ليس فيه سوى ما يعادل عوائد الايام العشرة الفائتة، مثل عامل بالاجر اليومي، دونما اي خطة لنفط نبيعه منذ تسعين عاما!
ويجب الانتباه الى ما يعنيه مبلغ ثلاثة مليار دولار، فهو قليل جدا، اذ ان فاتورة رواتب العراقيين بمفردها قد تتجاوز الملياري دولار شهريا، وربما اكثر. ولذلك يقول النواب انه لامشاريع بناء جديدة في هذه السنة، ولا السنة المقبلة. وسنحاول فقط اكمال المشاريع المتباطئة المحالة منذ ٢٠١٣.
عاصمة البترول والتجارة الملاحية، البصرة التي كانت فرحانة بالخمسة دولار، لكنها يجب ان تؤجل احلامها، كما يقول الشيخ احمد السليطي العضو البارز في مجلسها. واذا اجلت اثرى المدن احلامها، فما عسى الديوانية ان تقول؟ واذا كانت المناطق الامنة نسبيا ستعيش كسادا وجمودا تنمويا، فما عسى نينوى والانبار ان تقولا؟ ولازال مليون وثمانمائة الف عراقي بلا مأوى بعيدين عن منازلهم وينتظرهم شتاء موحش، وطبعا فان الفلوس المتاحة في صندوق النفط لن تكفي لحلول لائقة تغيثهم. ولا احد سيوافق بسهولة على ان نمد ايدينا الى الاحتياطي النقدي في بنك طيب الذكر المظلوم سنان الشبيبي، الذي كان يحذر من سياسات الانفاق الى ان طردوه ثم حكموه بسبع سنين، فيما ساسة الخطأ والتبديد يحتلون اعلى المناصب، رغم انوفنا، ويقبضون اعلى المخصصات.
اتمنى ان تكون الارقام التي يقولها النواب غير دقيقة، او ان يكون فهمي لها مخطئاً، وعمليات الضرب والجمع غير دقيقة، ولكن لنتذكر كل ساعة، ان كل هذا التخبط سببه السياسات الانفعالية ونقص الصبر، وترددنا في توفير متطلبات التصالح الاجتماعي، وما يحتاجه من قرارات مؤلمة، وحين ترددنا في اتخاذ قرارات مؤلمة صرنا امام وضع اكثر ايلاما، لا نعرف كيف سنخرج منه.
ان هناك محاولات كبيرة لالتقاط الانفاس والبدء بالتصحيح، ولدينا شراكات يمكن ان تمد لنا يد العون والمشورة، ولكن هل كان هذا التخبط علامة استثنائية في مدرسة السياسة العراقية خلال اخر نصف قرن من الاهازيج واللافتات؟ وهل كنا ننتظر نتيجة اقل سوءا حين اصبحت الهتافات والاهازيج بديلا عن الدراسات والاستنتاجات المبنية على اساس علمي ووضع نفسي متوازن ومتعقل؟
لا زلنا في مدرسة صدام حسين للسياسة. ولازلنا بحاجة الى خطة، لا لتحرير امرلي والضلوعية ونينوى، بل خطة للخروج من مدرسة تعاقب عليها ساسة متسرعون كان ابرزهم صدام حسين، اما اكثرهم تضييعا للفرص فهو نوري المالكي.
سنبقى ننتظر خطة معارضي المالكي لتصحيح اخطائه، ونقيس قدرتهم على ضبط نهج الانفعال والتسرع. الا ان رؤية مشعان في البرلمان، بينما نحجز لسنان الشبيبي ورحيم العكيلي مكانا في السجن، دلالة على ان الخروج من جحر صدام حسين الذي وضع فيه العراق، لم تجهز خطته بعد.
عشرة ايام نفط عراقي
[post-views]
نشر في: 20 سبتمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
لااعرف مامعنى محاربة الارهاب في بقاع الاراضي العراقية وهم يدخلون الارهاب الى البرلمان اليس مشعان ارهابي وراعي الارهاب اي محاربة هذه للارهاب واي خديعة يخدعون بها الشعب الخانع والمستسلم