هكذا وبكل بساطة تطلب منا تركيا أن نعطي عقولنا إجازة ونتمتع بالغباء، لنصدق روايتها عن عملية الإفراج عن الرهائن الأتراك الذين احتجزتهم داعش في العراق، وأنها تمت بأساليب استخبارية وبعد عملية تعقب حساسة وبسرية، وقد أتت هذه الانباء الجيمسبوندية والشارلوك هولمزية، بعد رفض رئيس الوزراء الجديد داود أوغلو، الكشف عن الملابسات التي صاحبت الإفراج عن الرهائن، مكتفياً بالتأكيد أن ما حدث درس تاريخي لمنتقدي حكومته، ثم استدرك بعد أنباء أنقره فقال إن العملية تمت بأساليب المخابرات، وأن العمل كان مكثفاً في الأيام الأخيرة، وليس لدى أحد شك بأن العملية مخابراتية بامتياز، لكن المؤكد أنها تمت عن طرق التفاوض وليس استخدام القوة، وهي تثبت أن العلاقات قائمة ومتينة، بين مخابرات أردوغان وقيادة دولة البغدادي، منذ إنشاء أول خلية في هذا التنظيم.
قطع المفرج عنهم الفيافي والقفار، للوصول إلى الحدود التركية السورية، ما يثير السؤال حول لماذا سلوك هذا الطريق ولماذا لم يتم نقلهم عبر الحدود العراقية، إلا إن كان الهدف تأكيد سيطرة دولة الخلافة على تلك الطرق، واعتراف أنقره بذلك، وتتكثف الأسئلة حول القدرات الخارقة للمخابرات التركية، التي تمكنت من تجميع المحتجزين من ثمانية أماكن متفرقة في الموصل، بعد رصدهم بطائرات دون طيار، وتحريرهم دون دفع أية فدية للخاطفين، كما تعلن أنقره وهي تؤكد عدم قبولها أي شروط مقابل الإفراج عنهم، ولتأكيد الصدقية الغائبة، أوردت وكالة أنباء الأناضول أن خمس أو ست محاولات سابقة جرت للإفراج عن الرهائن، دون أن تحقق أي منها نجاحاً.
لتكتمل الجوقة ، غرد نائب رئيس الوزراء بولند أرينج بأن المخابرات التركية نجحت في استخدام جميع إمكاناتها لإعادة الرهائن الأتراك دون أن يصاب أي منهم بأذى، ولم ينس تهنئة رئيسه أوغلو على نجاح العملية، وشكر كل من ساهم في تلك العملية، وعلى رأسهم العاملون في المخابرات التركية، وتوج الرئيس أردوغان مهرجان التصريحات بقوله، إن تحرير الرهائن جاء بعد عملية تعقب حساسة نفذتها المخابرات، وهي عملية معدة مسبقا ومحسوبة بعناية ونفذت بسرية أثناء الليل، بعد أن تابعت المخابرات التركية الوضع بشكل حساس وبصبر منذ البداية، ونتيجة لذلك نفذت عملية إنقاذ ناجحة.
المؤكد أن تركيا التي رفضت الانضمام الفعلي لعمليات التحالف الدولي العسكرية ضد التنظيم الإرهابي، عقدت صفقة مع "جارتها"، وهي تعرف مكامن القوة عندها بحكم العلاقات القائمة بين الطرفين، منذ كانت وظيفة الدواعش محاربة النظام السوري، قبل التمرد على صانعيهم ومموليهم ورعاتهم، والسير في طريق آخر مختلف، أتاح لهم التعاطي بندية مع جيران دولتهم، إن لم نقل بفوقية منعت أنقره من مناوشتهم، رغم سيطرتهم على مناطق كردية محاذية للحدود التركية.
عملية الإفراج عن الرهائن الأتراك، بعد احتجازهم الطويل دون أن يتعرض واحد منهم للأذى، كما اعتادت داعش التعامل مع أسراها، معقدة فعلاً وربما شارك في مفاوضاتها عراقيون طائفيون معارضون للحكومة المركزية في بغداد، ما يعني في آخر الأمر رغبة تركية في الحفاظ على علاقة من نوع ما مع أطراف في دولة الخلافة، تتيح لها لعب دور الوسيط بين تلك الأطراف وبين التحالف الدولي، يستعيد فيها التنظيم الإرهابي صفته الوظيفية، المحددة بإطار زمني وتحقيق هدف محدد، يتعلق بسوريا دون غيرها، وتؤثر نتائج تحققه على الوضع السياسي في العراق وغيره من دول الجوار، ويتم ذلك كله من منطلقات مذهبية تتيح لتركيا بسط نفوذها في بلاد الشام وبستان قريش، عبر سيطرة حلفائها المذهبيين على السلطة فيهما. وبعد، فإن "طباخ السم يتذوقه" و "اللعب بالنار يحرق أصابع اللاعبين".
الرهائن الأتراك والصفقة المشبوهة
[post-views]
نشر في: 21 سبتمبر, 2014: 09:01 م