وفق نبوءات العارفين فان علينا ان نتعلم امراً مهماً هو: التطور داخل ظروف الانهيار، ولذلك فلم اعد اشعر بمفارقة كبيرة وانا اكتب عن شيء مفرح في اقصى جنوب البلاد، وآخر محزن يتفشى وسطها وشمالها. شيء عن تطور سياسي تشهده البصرة، وشيء عن حملات الكراهية في اماكن النزاع.
خلال التفجيرات الاخيرة المؤلمة، ومأساة الصقلاوية التي تعيد انتاج عجزنا في مواجهة الكوارث، لا يزال الكثير من الشباب يتحدثون بمنطق يفترض ان كل اتباع المذهب السني دواعش، وانهم يتحملون مسؤولية التفجيرات والصقلاوية. واحيانا يمكن ان نتفهم حجم اللوعة والالم التي تدفع المرء الى اطلاق احكام انفعالية، وهذا امر حاصل في الطرفين المذهبيين، لكن ذلك ينبغي ان يحثنا على مواصلة تحليله ومراجعته والحذر من تبعاته.
القائلون بان كل السنة دواعش، يتناسون ان الافاً من السنة يقاتلون داعش اليوم، جنبا الى جنب الاكراد والشيعة. وان هذه نقطة مهمة لصوغ مستقبلنا كبلد، او حتى"كأقاليم متجاورة"ستحتاج مبادئ"حسن الجوار"لتجنب مستقبل صراع اسود.
ان حجم الجنون صار اكبر مما تطيق مسؤوليات العقل، ولذلك فان هؤلاء المنفعلين، ليسوا اسوأ حالاً من سنة متشددين يحلمون كذلك بابادة الشيعة واعتبارهم جميعا مجرد ذيل لاطماع ايرانية.
هذا النوع من الانفعال يتسلل الى غرف صناعة القرارات، ويستغله كل طرف خارجي يريد مواصلة السخرية من"المدرسة العراقية في السياسة"التي اشرت اليها في المقال السابق، وقلت ان ابرز ابطالها الانفعاليين هو صدام حسين، واكثر ممثليها تضييعاً للفرص هو نوري المالكي. وكلاهما ورطنا في خسارات بسبب التسرع وتجاهل النصائح. والبعض ينتقد اللحظة السياسية للحكومة الجديدة، لانها تريد ان تتعقل وتراجع سياسات الانفعال الخاسئة. اي انهم يريدون من العبادي ان يصرخ على طريقة المالكي. وهنا نتذكر وحسب ان ثمانية اعوام من صراخ السلطان لم تمنحنا سوى هذا الضياع الدنيء، وحان الوقت لنجرب نهجا مختلفا.
وعلى الجانب الاخر من الاحداث، تقوم البصرة بتعريف نفوذها السياسي وفق صيغة اكثر نضجا. يقول ساسة فيها الان انه ليس مهما الحصول على منصب وزير بارز او موقع سيادي، تعالوا فقط لتعترفوا بصلاحياتنا الدستورية، التي تنص على مبدأ الادارة المشتركة لحقول النفط، وايضا الادارة المشتركة لشركة تسويق النفط ووضع تسعيرته وتصميم سياسات السوق.
الموقف هذا ظهر حين قام وزير النفط عادل عبدالمهدي، وهو رجل ينحاز بقوة لاسلوب الادارة الحديثة، بزيارة البصرة، ووجد نفسه في مفاوضات متحمسة حول تطبيق المادة ١١٢ من الدستور، والتي توجب ان تقوم بغداد بالاشتراك مع المحافظة المنتجة للبترول، في ادارة شؤون الحقول النفطية التي كانت منتجة اثناء كتابة الدستور. هذا بند دستوري لم تطبقه الادارة السابقة فالسيد الشهرستاني يؤمن وبصلابة"نووية"ان النفط لابد ان يدار من قبل فريقه الضيق هو، ولابأس ان نضرب الدستور عرض الحائط، حتى لو كان اهم وثيقة عيش مشترك في البلدان المتقدمة.
ان معركة اللامركزية بدا ان لها صلة بطموح كردي، ثم بدا انها خاضعة لوضع متشنج سني، لكننا مع البصرة نمتلك فرصة التعاطي مع مبدأ الادارة هذا، بوصفه منهجا متقدما في التدبير والحكمة، وقطع الطريق على فشل شخصي يتحول دوما الى فشل امة كاملة.
ولن ينتعش العراق الا بانتعاش البصرة، وهي لن تتقدم الا اذا اسست نفوذها السياسي الذي يمكنها من تدبير شؤونها، وفي وسعها ان تقدم نموذجا خاصا يساعد الاخرين، ومطالبتها بتطبيق الدستور هي اختبار للحظة عادل عبد المهدي، المستنير والمؤمن بالادارة الحديثة، وهي لحظة الحكومة الجديدة التي نحلم بقدرتها على دخول عهد الاصلاحات، اثناء مرور السكين على رقابنا جميعاً.
صدام والمالكي وعبدالمهدي
[post-views]
نشر في: 22 سبتمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
بغداد
ان في مدينة البصرة التاريخية العريقة مقومات قيام دولة عظيمة وذلك بسبب انها أغنى البلاد في ثرواتها النفطية ( الذهب الإسود) وموقعها الإستتراجي البحري المتميز الذي يشهد له التاريخ بعمقه من صناعة السفن الى تجارتها القديمة مع الهند حتى انتجت قصص سندباد البحار