لا عن رضىً ولا طيب خاطر وقع الرئيس اليمني اتفاقاً مع الحوثيين، الذين سيطروا على العاصمة وكل مفاصل النظام، ملحقين الهزيمة بإخوان اليمن، والنفوذ القطري التركي، في ظل صمت سعودي، من المرجح أنه نتيجة "صفقة" مع إيران، برزت ملامحها في التصريحات المتبادلة بين وزيري خارجية البلدين، خلال لقائهما الذي تزامن مع سقوط النظام اليمني بين أيدي "أنصار الله"، وأشاد كل منهما بالتعاون المأمول "من أجل السلم والأمن ولمصلحة الأمة الإسلامية"، وضرورة "تحاشي أخطاء الماضي"، وهي لهجة دبلوماسية تكتسب أهميتها وتأخذ دلالاتها من توقيتها.
رغم توقيع الاتفاق يصر الحوثيون على توخي الحذر، باستمرار سيطرتهم على المؤسسات الحكومية التي استولوا عليها، ورفض رفع مظاهر السلاح والمخيمات من العاصمة ومداخلها، أو حتى نزع السلاح ولو كان شاملاً لجميع الأطراف، وهم يستشعرون التغيير الجذري في كافة موازين القوى لمصلحتهم، وهو تغيير فاجأ الكثير من المراقبين، وكشف عن خطة طويلة شاركت فيها عدة أطراف، وكانت شرارة انطلاقها قرارات رفع أسعار المشتقات النفطية، لتنتهي واحدة من مراحلها ببسط السيطرة على العاصمة، وسط تفكّك النخبة الحاكمة وصراعاتها وفسادها.
الرئيس اليمني الرابح الأكبر من المبادرة الوطنية التي أدارها وأخرجها بعناية، بديلا للمبادرة الخليجية، مُحققاً عدداً من الأهداف، كونه أصبح رئيساً بصلاحيات كاملة وغير توافقي ولامقيداً بمبادرة خليجية، وسيكون قادراً على اختيار رئيس الوزراء ليكون تحت سلطته، ويختار له شاغلي الوزارات السيادية، وسيضعف الأحزاب القوية، ويصعد الصغيرة من خلال إعطاء كل حزب وزارتين فقط، وسيتخلص من أهداف الثورة التي أطاحت سلفه وجاءت به ومنّت عليه كثيراً، وهو اليوم يدعو إلى البدء فوراً بالعمل بالاتفاق، وطي صفحة الماضي المؤلمة، فقط سيقيده مستشارون سياسيون من الحوثيين والحراك الجنوبي، يتولون اختيار المرشحين لشغل الحقائب الوزارية، ويرفعون توصيات إلى رئيس الدولة والحكومة تضمن توزيع الحقائب على جميع القوى السياسية في البلاد.
ظل الحوثيون يشكون ظلم وجبروت الدولة، منذ تخلص اليمنيون من حكم الإمام في ستينات القرن الماضي، وظلوا يطالبون بحرية الفكر المذهبي، غير أن دعم إيران لهم أوصلهم إلى موقع صاحب القرار، وهنا يبرز السؤال : لماذا الآن ولماذا تصمت السعودية عن النفوذ الإيراني وهو يتمدد بجوار حدودها، وعلى المتبصر عدم اعتبار مطالب الحوثيين لتسويغ تصعيداتها الأخيرة ضد الدولة، أكثر من جزء من عملية الصراع الإقليمي المحتدم ومعظمه من منطلقات طائفية وبحيث يمكن القول بطمأنينة أن هناك تقاسماً للنفوذ بالطرق السلمية بعد فشل الخيارات العسكرية، وإذ ربحت إيران اليمن فما هو الثمن الذي قبضته أو ستقبضه السعودية.
حرب الحوثيين وطموحاتهم ليست جديدة فقد خاضوا 6 حروب مع حكومة بلادهم وهي بنسختها اليوم مرتبطة بتطورات الأحداث في المنطقة وهي بشكل أو بآخر امتداد لصراع بالوكالة بين قطبي الرحى في المنطقة السعودية السُنية وإيران الشيعية، وبينهما ظل اليمن، حديقة خلفية لسياسات الرياض التي لم تكن غافلة عن طغيان قوة الحوثيين وهي ربما استغلت ذلك بعد "الربيع العربي" الذي تبين أنه إخواني ويستدعي قوى مضادة لمنع ازدهاره وكان الحوثيون جاهزين.
السؤال اليوم هل تمت مقايضة اليمن بسوريا، أم أننا دخلنا مرحلة صراع طائفي يأخذ أشكالاً جديدة، ويتغذى على القات اليمني وقمح حوران.
الحوثيون.. القات وقمح حوران
[post-views]
نشر في: 22 سبتمبر, 2014: 09:01 م