رنت أجراس التنبيه في آذان الرئيس باراك أوباما لدى عودته من جولته الآسيوية، لتذكره بحتمية اتخاذ قرارات حاسمة وعاجلة بشأن عدد من القضايا الملحة في منطقة «الشرق الأوسط الكبير» التي ورثها من حرب سلفه الشاملة على ما يسمي بالإرهاب.
فيواجه أوباما ضرورة حسم سياسته الخارجية وبسرعة، تجاه عدد من الدول من فلسطين إلى باكستان، في وقت يناضل فيه داخليا لتحقيق أولويته التشريعية الأولي، أي برنامج الرعاية الصحية ومما يزيد الأمور تعقيدا هو أن هذه القرارات سوف تحسم تراث أوباما السياسي لا سيما فيما يخص القدرة على إبعاد الولايات المتحدة عن حافة الهاوية العميقة التي حفرها سلفه في المنطقة برمتها، أو على العكس، أي الاستمرار في تعميقها. تتصدر أفغانستان قائمة القرارات الحاسمة الواجب على أوباما اتخاذها بما فيه عدد القوات التي سيحتاجها لتنفيذه استراتيجيته المرتقبة، في وقت عزز فيه الجمود الظاهر الذي يجتازه الملف النووي الإيراني، موقف أولئك المطالبين في واشنطن بفرض عقوبات صارمة على طهران، إن لم يكن تدخلا عسكريا، وفي أقرب وقت ممكن. ثم جاء التدهور الحاد والمتصاعد لآمال إنعاش مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ليشكك وبقوة في قدرة السلطة الفلسطينية على الإستمرار، بل وإمكانات حل الدولتين في حد ذاته، وهو الذي بنت عليه واشنطن وغيرها من دول الرباعية سياساتها تجاه المنطقة. فحمل الوضع مستشار الأمن القومي الجنرال جيمس جونز على القول بأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو المركز العصبي لجميع التحديات التي تواجهها واشنطن في «الشرق الأوسط الكبير»، بل والأزمة الرئيسية التي يتوجب أن تضعها على قمة أولوياتها في المنطقة، إذا أرادت «حل أي مشكلة» فيها. أما جولة أوباما الآسيوية التي حملته إلى اليابان وسنغافورة والصين وكوريا الجنوبية فقد قوبلت بتباين كبير في الآراء في واشنطن، حيث أتهمه اليمينيون بالمغالاة في المحاباة تجاه قادة الصين، وحتى المبالغة في الانحاء أمام إمبراطور اليابان. وأما أفغانستان، فقد دخلت مهلة التريث لاتخاذ القرار شهرها الثالث الآن، ما يجعله عاجلا ملحا للحسم في عدد القوات الإضافية التي يطالب بها القائد العسكري وبموافقة قائد أركان الحرب ووزير الدفاع فيما يبدو، بقدر 44,000 جندي علاوة على 68,000 موجودين بالفعل. لكنه تردد أن نائب الرئيس جو بايدن والعديد من كبار مستشاري أوباما، يعارضون هذه الزيادة في عدد الجنود في إفغانستان، وذلك من واقع قلقهم من الحملة المعارضة المتصاعدة والمتفشية بين قيادات الحزب الديمقراطي فيما تبين استطلاعات الرأي أن مجرد ثلث الأمريكيين يؤيدون رفع عدد القوات، وبالتالي فيشيرون على أوباما بتقليص حجم التصعيد أو وقفه تماما. ثم جاءت الأنباء عن ضخامة حجم الفساد من قبل الرئيس الأفغاني حامد كرزاي وشقيقه وذويهم، مضافا إلى تكلفة الحرب بقدر مليون دولار للجندي الواحد في السنة، جاءت لتعزز موقف نائب الرئيس ومستشاريه. والنتيجة أن أوباما، الذي استبعد في الشهر الماضي الانسحاب من افغانستان، ربما يقرر إرسال 10,000 جندي إضافي، مع اشتراط ربط أي مساعدة أمريكية إضافية بقياس تحسن أداء حكومة كارداي حسبما أبلغته في كابول بالفعل وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. ثم تأتي قضية ملف إيران الذي تعهد أوباما في الربيع الماضي بالتعامل معه من خلال التواصل والحوار، مع إعادة تقييم الأمر في نهاية العام الجاري، أي خلال شهر تقريبا الآن. لكن واشنطن وحلفاءها في مجموعة 5+1 يعتبرون أن طهران ترفض اقتراح إرسال اليورانيوم منخفض التخصيب إلى روسيا وفرنسا لتخصيبه بدرجة أعلى. والنتيجة هي أن المسمى ب «لوبي إسرائيل» وحلفائه في الكونغرس، قد شددوا الضغوط من أجل استصدار حزمة من القوانين التي تتيح فرض عقوبات أحادية على إيران وعلى الشركات التابعة لدول أخرى والتي تتعامل معها. والآن يبدو أن أوباما ذاته يميل إلى إستخدام العصا مع إيران. وفوق كل هذا وذاك، سددت تطورات الأمور في إسرائيل والضفة الغربية، علاوة على قرار إسرائيل ببناء 900 مستوطنة في جيلو في القدس الشرقية، ضربة قد تكون قاضية لمسار أوسلو. فقد جاء قرار بناء مستوطنات جيلو ليقوي مخاوف الخبراء السياسيين التي سبقت اتخاذه، من خطر اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة في أي لحظة، بكل ما يمكن أن تحمله من عواقب كارثية لا علي آفاق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين فحسب، بل وعلى جهود أوباما لاستعادة سمعة واشنطن في المنطقة. عن/ وكالة آي بي أس
أوباما..ميراث الحرب على الإرهاب
نشر في: 8 ديسمبر, 2009: 03:50 م