ترجمة/ عمار كاظم محمد في حدائق الأحياء والموتى، الحرب تمضي ولكن ليس بنفس الحماسة كما هو الاستسلام، مباشرة بعد فجر يوم الجمعة الماضي والذي كان يصادف اليوم الأول لعيد الأضحى والذي يدعوه العراقيون «بالعيد الكبير» والذي يحتفل به المسلمون في أرجاء العالم تزامنا مع موسم الحج الى مكة المكرمة.
الألوان الداكنة تتوزع على ممر الحديقة في حي الأعظمية في هذه الساعة الساكنة وهي في كل مكان في الحديقة التذكارية وراء مسجد ابو حنيفة حيث تغص بآلاف النادبين على شواهد القبور في هذا المكان الذي كان قبل ثلاث سنوات حديقة عامة على ضفة نهر دجلة. هذا التقليد جديد نسبيا في العراق وهو تقديم الاحترام للموتى بين صلاة الصبح والعيد التي تعقد في وقت لاحق من نفس اليوم ففي هذا النهار فاضت حديقة الموتى بالأحياء. كان هناك منطاد ابيض يحلق عاليا يمثل رسالة تذكير بأن الأعظمية كانت مركزا للتمرد وهو يمثل حرفة استطلاع أمريكية محملة بكاميرات الفيديو وكان المسجد يمثل نقطة التجمع في أيام التمرد وعلى بعد بضع كتل كونكريتية كان يوجد آخر مخبأ اختبأ فيه صدام قبل أن يهرب خارج بغداد. هذه الحديقة التي تسمى الآن بمقبرة شهداء الأعظمية بدأت بالظهور منذ عام 2007 اكتظت بشكل كثيف بالقبور التي أصبح من الصعب أحيانا المرور بين شواهدها المرمرية التي تغطي كل قبر فيها فمن غير الوقار أن يجرؤ أحد على المرور من فوقها. خلال الستة أشهر الماضية احصي رسميا 9000 قبر لكن هناك المزيد منها قد أضيف منذ ذلك الحين وتقريبا جميع الضحايا هم ضحايا العنف العراقي بشكل أو بآخر كأن تكون تفجيرات إرهابية، حالات قتل طائفية أو اغتيالات سياسية. كان الهواء يعبق برائحة احتراق عيدان البخور التي غرزت في الأرض حول القبور والكثير منها كان مزينا على الطريقة العراقية بالزهور البلاستيكية حيث صور الموتى مسندة على شواهد القبور. هنا لا يبدو ان أحدا يصدق أن الحرب قد انتهت، تقول صبرية فاضل عباس وهي تجلس عند قبر أخيها علي البالغ من العمر 39 عاما والذي قتل إثر انفجار سيارة مفخخة تاركا زوجة وسبعة أطفال أكبرهم سنا يبلغ من العمر 13 عاماً «انهم مازالوا يتصارعون داخل الحكومة ولا احد منهم يثق بالآخر فكيف ستنتهي؟». على خلاف معظم القبور كان قبر أخيها مغطى بإطار معدني بسيط لحماية الصورة من أشعة الشمس والمطر، وكان عند قدميها طاسة مليئة بالمعجنات العراقية المعروفة بالـ (كليجة) تقدمها الى الفقراء وكانت هذه العائلة قد دفنت عضوا آخر منها في الانفجار الذي حدث قرب وزارة العدل في تشرين الأول الماضي. يقول علاء عادل الصديق الوفي لعصام العبيدي وهو صحفي عراقي قتل من قبل قناص وجاء لزيارة المقبرة «لا يوجد عراقي يعيش بعيدا عن هذا الأمر» مضيفا بين أولئك المدفونين هنا خالد حسن مراسل النيويورك تايمز والمترجم قد قتلا اثناء ذهابهما الى العمل في عام 2007. يقف الناس بخشوع أمام القبور وهم يرفعون أيديهم كما لو أنهم يرفعون أوزانا غير مرئية، تقول الآنسة وفاء نوري حسين التي تقف في مكان قريب «انهم محظوظون فلديهم على الأقل مكان يرتاحون فيه ولا ندري فلربما لا نجد مكانا لنا حينما يحين دورنا». ربما سيقطعون أشجار النخيل المتبقية عما قريب ليفسحوا مكانا لمزيد من القبور وتضيف الآنسة وفاء عن المشاكل الداخلية في الحكومة العراقية التي يبدو أنها غير قادرة حتى الآن على الوصول الى حلول لتمرير شروط الموافقة لأجراء الانتخابات الوطنية، والتي تبدو من المحتمل الآن انها سوف تتأجل عن تاريخها المحدد في شهر كانون الثاني كما هو في الدستور «فالأحزاب مازالت تتصارع مع بعضها البعض واذا استمر الحال على هذا المنوال فسوف تغدو الأمور أسوأ فأسوأ «، لقد أصبح من الشائع القول أن الوضع الأمني قد أصبح أفضل بكثير مما كان في الماضي حيث كان من الخطر أن تأتي هنا لمجرد الزيارة والأخطر من ذلك حينما تكون أجنبياً. حول القبور كان المزاج يبدو احتفاليا وما يحد منه كأصدقاء واقرباء الذين تفرقوا في أوقات مضت جاؤوا معاً بذكرياتهم الى هذا المكان. الشحاذون كان يعملون داخل الحشد بصمت وكان هناك مرتل محترف يتكئ على عصا من الخيزران ويقرأ القرآن مقابل مبلغ زهيد لا يتجاوز دولاراً واحداً وعبر طريق المقبرة الملاصقة للمسجد كانت هناك مقبرة صغيرة تضم مجموعة من القبور للمقاتلين الأجانب الذين قتلوا أثناء الحرب وهناك عدد قليل فقط من العوائل التي تقدم طقوس الاحترام لتك القبور لمقاتلين من مصر وسوريا ولبنان مقارنة بالحشد الكبير لتلك القبور هناك حيث أنها بدت عادية وغير مزينة بالزهور البلاستيكية تقول إحدى الزائرات لقد قام هؤلاء بما يعتقدون انه الأفضل لكن لاشيء أفضل لأن الأمر لم يكن ليستحق ذلك والتعاطف من الصعب إنكاره لأي احد في هذه الحدائق. عن/ نيويورك تايمز
عندما تصبح الحديقة مقبرة في بغداد
نشر في: 8 ديسمبر, 2009: 03:54 م