على هامش ندوة فكرية فلسفية عقدت في نادي ثقافي بلندن حول ( مآل الإنسان حين تغادره الروح وتتسلل منه تسلل شعاع غارب ، إلى حيث لا يدرك مسراها ولا مستقرها إلا علام الغيوب ) تجمع رهط من المثقفين ـ أساتذة أكاديميون وطلاب معرفة ورجل دين ، في مقهى قريب ، ليحتدم نقاش حاد حول مفهوم الجنة والنار ، وماهيات الثواب والعقاب في صلب الديانات الرئيسة الثلاث : الإسلام والمسيحية واليهودية .
كان قطب الرحى والأعلى صخبا ، رجل الدين ، الذي كان يردد إثر كل فكرة مغايرة لما يعتقد: أستغفر الله، أستغفر الله . يا قوم ، لا منجاة من النار إلا كثرة الاستغفار .
فجأة يطرح احد الأساتذة المخضرمين ، سؤالا مشاكسا ، جعل الصمت سيد الموقف لبرهة : يا أخوه ، من تراه مؤهلا لدخول الجنة او الزج في نيران جهنم … من صام عن الطعام والشراب طيلة الأشهر الحرم ؟ وأدى الصلوات في مواقيتها شفعا ووترا؟ وحج بيت الله فريضة ونوافل ؟ ونطق بالشهادة كل آذان فجر وعند كل مغرب شمس ؟ ثم..غش في التعامل ، وسكن دورا مغصوبة ؟ واستولى على أموال الأغيار واليتامى دون وجه حق ؟وأوقع بأبرياء رأي فيهم حجر عثرة في درب مغانمه ؟
هل هو ذاك الذي قصر ثوبه وآطال لحيته ،- ولم يزاول عملا منتجا - ولزم زاوية في المسجد يتباهى بختم القرآن مائة مرة . ويفتي بكيفية الوضوء حرامه وحلاله : هل أبدآ بغسل القدم اليمنى اولا أم اليسري ٫وهل أسبل يدي أثناء الصلاة ام اعقدهما معا عند الخاصرة ؟ هل ألعن يزيد عند كل عطش وأذكر الحسين إثر كل رواء ؟ و….و….
ام ذاك الذي لم يجرب الصوم يوما ، ولم يمارس صلوات قط ، وما عرف طريق بيت الله الحرام ، وما نطق بشهادة لا إله إلا الله ، ولا استغفر الله يوميا بعدد حبات المسبحة ذات التسعة والتسعين خرزة ، لكنه ، لكنه اخترع الكهرباء وطور استعمالاتها ، واكتشف عصيات السل وحقن البنسلين والمضادات الحيوية وخفف عن البشرية بعض أوجاعها ، وزرع الصحارى ليطعم أهل الأرض واقتحم الفضاء ليتعملق بالمعرفة . او ذاك الذي جعل العالم قرية صغيرة ، ليتواصل سكانها - بالسراء والضراء - بمجرد ضغطة زر على جهاز بحجم الكف .
من سيدخل الجنة ؟ سؤال عويص الإجابة ، رغم اليقين إن الجدال في الثوابت — الشرعية خاصة — جدال عقيم ، قد يسعر ويلهب عداوات خامدة ، ويحيي من الرمم أحداثا عفى عليها الزمن … ليظل السؤال المحير : ما النار ؟ ما الجنة ؟ من سيلقى في أتون جهنم ؟ ومن سيخلد في جنات النعيم ؟
من سيدخل الجنة ؟
[post-views]
نشر في: 24 سبتمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
جمال
راجع أبو العلاء المعري صفحة 14 السطر 6 والسلام