TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ومن حق التشدد ان يتظاهر ايضا

ومن حق التشدد ان يتظاهر ايضا

نشر في: 27 سبتمبر, 2014: 09:01 م

اعرف كثيرا من اهلي واصدقائي يتحمسون للخروج في مظاهرات الاعتراض على سياسات الحكومة الجديدة، التي تمثل قناعة بضرورة الاصلاح والتغيير. وفي الحقيقة فان المظاهرات ليست موجهة للدكتور حيدر العبادي رئيس الوزراء، بل ضد الفريق السياسي الذي ابرم صفقة التغيير، ولازال يؤمن بامكانية المراجعة.
وعلى اصحاب المشرب المرن المعتدل الذين تعودوا ان يكونوا هم في التظاهرة، ضد نهج متسرع سطحي متعنت، ان يتعلموا رؤية انفسهم خارج المظاهرات هذه (ان وقعت وكانت مؤثرة) وان يتدربوا في كيفية التعامل معها.
وسواء خرج في التظاهرات التي تعترض على الاهداف الاصلاحية، الف شخص او مليون، فانني واثق من انها تمثل جمهورا واسعا، شيعيا هذه المرة. فبين ابناء الشعب اناس طيبون كثر، ليست لديهم قناعة بالسياسة وممكناتها، ولا بالحوار، ويعتقدون ان القبيلة القوية هي التي تتمكن من سحق واخضاع القبائل الاخرى. وهذا هو شعور سنة كثيرين، كما انه شعور شيعة كثيرين، ولدينا عرب وكرد وسواهم، من هذا الطراز.
هؤلاء موجودون وفاعلون، بين النخب وبين الجمهور، ومن شبه الطبيعي ان تنجح الدعوة للتظاهر في حشد الف منهم، او مليون.
الدوافع تختلف هنا، فبين من يتحمس للمظاهرات اطراف تشعر بأنها خسرت الجولة، واصبحت خارج دائرة التأثير. وعليها الان ان تقتص وتحتج وتحاسب، وتقوم بتأليب الرأي العام ضد قرارات تصالحية.
وممن يتحمسون للتظاهر، اناس بسطاء او غير بسطاء، لديهم قناعة بان الحكومة الجديدة"جبانة"وتريد التصالح مع ارهابيين. بعض هؤلاء ليست لديه صورة واضحة عن معنى وقف قصف المدن، وليست لديه صورة واضحة عن معنى القبول باللامركزية الادارية، وحين نناقشهم نعرف بسهولة انهم ليسوا متابعين جيدين للسجال السياسي وتفاصيله. واحيانا حين ادخل في نقاش معهم يطرحون اسئلة قديمة جدا، ويتطلب الامر مني ان اتحدث لهم عن"دار دور"الجدل السياسي في البلاد. فأتعب ويتعبون ويذهب كل منا لحال سبيله، دونما نتيجة.
امتلاك قناعات متشددة لا تحب المرونة السياسية، امر طبيعي حتى في المجتمعات الحديثة، وقد تبادلت الحديث مطولا مع المتشددين في الموصل والانبار، وفي النجف والبصرة، وكانوا متشابهين جدا رغم اختلاف طوائفهم، وكانوا يتعرضون للظلم في الوقت نفسه، رغم اختلاف انواع الظلم، وكانوا ايضا يواجهون صعوبة في الايمان بجدوى السياسات التصالحية.
الامر المركزي في هذه الحكاية، ان هؤلاء لديهم بعض الحق، فهم ابناء مجتمع لم يبرم صفقة تصالح منذ قرون، وقد تعود على حسم مشاكله بالعصا والسيف، ويحتاج وقتا ليصدق ان من الممكن تجربة اشكال اخرى من ادارة الخلاف.
الداعي الى التشدد قد يكسب الاتباع بنحو اسهل، لانه يدعو الى نهج سائد ومعروف، اما المبشر بنهج اصلاح واعتدال فهو كمن يتحدث عن فكرة الانترنت لمواليد القرن السابع عشر، يحتاج خيالا خصبا وطاقة روحية عظيمة لاقناع الجمهور بامكانية حصول امر مختلف.
الاعتراف بوجود تمثيل قوي لفكرة التشدد السياسي، امر مهم لجعلنا كتيار يدعو للاصلاحات، نستوعب حجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا، فالمتشدد يتحداك قائلا: دعني ارى تصالحاتك ونهجك المرن ونتائجه! وقبل مرور اسبوع على تسلمك زمام المبادرة، يصرخ في وجهك: ألم تر ضحايا الصقلاوية ومفخخات بغداد، فعن اي تصالح تتحدث؟
التشدد اختبار كبير للاعتدال نفسه، ولوضوح الفكرة التصالحية، ولمدى اهليتنا لتطبيقها. التفكير بالاصلاح هو محاولة انتقال الى مستوى تمدن وتحضر ارقى، يخرجنا من شريعة الغاب والاستقواء، الى شبكة العلاقات التفاوضية والمصالح المدروسة بعناية. واثناء هذا العبور، سيسخر منك اليائسون الذين يعتقدون بأن مغادرة الغابة امر مستحيل. وفي سخريتهم تساؤلات جادة، اذ ليس كل من اراد الاصلاح نجح، و"المتورط"بالاصلاحات وإحداث التحول، عليه ان يحسن دور صانع الامال الممكنة، وان لا يتعب من شرح"دار دور السياسة"في شعب بدأ لتوه في تعلم الممكن السياسي. وان يثبت في النهاية ان نجاحه امر معقول وانه على قدر اخطر المهام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو سجاد

    شكرا لك استاذ سرمد على هذا الطرح الجميل ولكن انت تسمي هؤلاء متشددون وانا اسميهم جهلاء وللاسف اكثر من ثمانين بالمئة من المجتمع العربي وليس العراقي وحده يحملون تلك الافكار المتخلفة التي تتصور ان الحل السياسي والحوار المتبادال هو ضعف وليس القوة نفسها فنحتاج

يحدث الآن

بايدن: اتفاق غزة بات أقرب من أي وقت مضى

خرائط وبيانات ملاحية ترصد 77 خرقاً "إسرائيلياً" لأجواء أربعة دول عربية منذ تهديد إيران

مشعان الجبوري يخاطب "السيادة": اعتذروا والا

أمر قبض ومنع سفر لـ"زيد الطالقاني"

برلماني يكشف آخر مستجدات منصب رئيس البرلمان

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

قناطر: في قراءة قانون الأحوال الشخصية

قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959

الدولة لا الاحكام الظنية من تضع للاسرة تشريعاتها

العمودالثامن: لماذا يطاردون النساء ؟

العمودالثامن: من الشبيبي إلى رشيد الحسيني

العمودالثامن: من الشبيبي إلى رشيد الحسيني

 علي حسين لم يكن الشيخ محمد رضا الشبيبي مجرد سيرة حافلة بالمواقف الوطنية، بل كتاباً غنياً لحقبة من الزمن الجميل، كان الشبيبي يريد دولة تقوم على العقل والأخلاق السياسية والاجتماعية وكرامة الإنسان، كان...
علي حسين

كلاكيت: عماد حمدي.. المسطول الذي رثى مسيرته

 علاء المفرجي إذا ما سلمنا أن الممثل عادة هو من صنع المخرج، فأن انطلاقة الفنان عماد حمدي كانت من تلك الفورة الكبيرة في السينما المصرية ومن نشاط المنتج (شركة أو افراد) التي كانت...
علاء المفرجي

قرنان من التشيع والحوزة في العراق.. من 1722 إلى 1922

علي المدن شاهدت الحلقة التي أعدها الأستاذ أحمد الحسيني على قناته في اليوتيوب وكان عنوانها (صراع قم مع النجف.. هل اقترب ظهور المرجع العراقي). وهي حلقة غنية بالمعلومات تنم عن جهد كبير بذله الحسيني...
علي المدن

الدولة لا الاحكام الظنية من تضع للاسرة تشريعاتها

هادي عزيز علي اعتمد الفقهاء المسلمون الاحكام الظنية التي تتسع فيها دائرة الاجتهاد اذ استنبطوا منه الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي فيما لا نص فيه للوصول الى قواعد عملية تتعلق بادارة الشان العام بما...
هادي عزيز علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram