تؤكد التطورات المتسارعة في اليمن، أن بلداً جديداً يتشكل في ظل حكم الحوثيين، الذين يسيطرون اليوم على كل المفاصل المهمة، دون إعلان أنهم الحكام، أو تهميش الآخرين، ويتركون الرئيس الضعيف عبد ربه منصور هادي مقيداً في قصره الجمهوري وقد خسر تأييد الجيش، بينما انسحب الإخوان المسلمون من المشهد، مفضلين عدم المواجهة مع الحوثيين، ومعترفين بتغير موازين القوى لغير صالحهم، وليس هناك شك بأن القلق المبرر يسود السعودية، التي تبدو المتضرر الأكبر من هذه التحولات، حيث فقدت إمكانية التحرك بحرية فيما كانت تعتبره حديقتها الخلفية، سواء في ظل حكم الإمام، أو رؤساء الجمهورية المتعاقبين انقلابياً على الحكم بعد إطاحته.
يُسلّم السعوديون بالوضع الجديد، وهم أصحاب أطول حدود مشتركة مع جيرانهم اليمنيين، لكنهم يعتبرون أن من حقهم تقرير سياسات مجلس التعاون الخليجي تجاه التطورات اليمنية، التي وضعت البلاد تحت سيطرة الحوثي العنيد، الذي ظل رقماً صعباً، منذ كان متمرداً شبه وحيد في صعده، وإلى أن سيطر على صنعاء، وهو في طريقه لبسط نفوذه وهيمنته على باقي أنحاء البلاد، ما يحتم على صانع السياسة في الرياض التعامل معه بندية، رغم معرفته بعلاقات الحوثيين مع إيران، التي تبجح أحد مسؤوليها بصفاقة، أن طهران باتت صاحبة الكلمة الأولى في أربع عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وعلى السعودية أن تدرك أن للحوثي الحرية في اختيار توجهاته السياسية، بعيداً عن التبعية لها، حتى وإن كانت سترتبط بطهران، وأن تسعى لتقاسم النفوذ مع ولي الفقيه، بدل المواجهة التي لن تكون في مصلحتها وتستنزف قوتها.
المهمة الأولى للحوثيين اليوم، هي تحجيم جماعة الإخوان المسلمين ومنعهم من استعادة حيويتهم، وتلك مهمة تؤيدها الرياض ومستعدة للمساهمة فيها، والثانية تتمثل في منع أي تاثير محتمل للشخصيات السياسية التي تحظى بشعبية عند فئة الشباب اليمني، الطامح لبناء دولة ديمقراطية عصرية، تتخلص من نفوذ شيوخ القبائل وحكم العسكر الفاسدين وتتطلع لمستقبل مشرق، زهم سيتركون الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزبه على الهامش، فهؤلاء ليسوا عقائديين يُخشى جانبهم، ويمكن استمالتهم بالعديد من الوسائل، مع معرفة أنهم فاسدون وربما لأنهم كذلك، الأهم عندهم هو تهميش رموز ثورة الشباب، الذين يمكنهم منافستهم في أي انتخابات قادمة، أما ما تبقى من السياسيين فمقدور على استيعابهم أو منع أي تأثير لهم.
بتدرج وأناة يمكن للحوثي وضع بصمته على تاريخ اليمن الحديث، بتحويله إلى دولة ديمقراطية عصرية، وعدم الاستئثار بالسلطة، حيث سينحصر نفوذه في بعض المناطق "الزيدية" ويتم تصنيفه كتابع لطهران، مع ما سينجم عن ذلك من تفجر الحرب الأهلية في بلد متخم بالسلاح، سيمتد لهيبها إلى دول الجوار وخصوصاً السعودية التي لا تملك غير خيار التأني، إلى أن يستقر الوضع وتتضح الصورة، لتعرف خطوتها التالية في بلد لإرهاب القاعدة فيه وجود لا يمكن التغاضي عنه، والمؤكد أن اليمن الديمقراطي هو الأنسب للسعودية، حيث يستعيد حلفاؤها بعض نفوذهم، ما سيحد من قدرة الحوثي على اتخاذ قرارات تؤلم الرياض، وتضر بمصالحها التي أنفقت الكثير من الجهد والمال لضمانها.
السعودية واليمن الحوثي
[post-views]
نشر في: 27 سبتمبر, 2014: 09:01 م