TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "حماوة" الوطنية 

"حماوة" الوطنية 

نشر في: 27 سبتمبر, 2014: 09:01 م

بخبرة الفيترية الاسطوات بتصليح  السيارات على  اختلاف اشكالها وموديلاتها ولوحات تسجيلها ، سواء الجديدة الالمانية ام المانيفيست ، يستفسر الفيتر عن "الحماوة " اي ارتفاع درجة حرارة المحرك فوق الخط المسموح به ، وحين يشخص الخلل يبدأ عمله ، ويطلب من الزبون الانتظار ، حتى اصلاح العطب الميكانيكي ، ثم يتسلم مبلغ اجوره ، مع بخشيش  مساعد الفيتر وتوكل على الله مولانا ، مع توصية بمراقبة "الحماوة " .
مشكلة "الحماوة"  دخلت الى المشهد السياسي العراقي ، بعد استيراد سيارات من المعسكر الاشتراكي صغيرة الحجم ، امتلكها من كان يستطيع دفع ثمنها البالغ 2000 دينار او اقل  في سبعينات القرن الماضي حيث شهد العراق انفتاحا  على الاتحاد السوفيتي السابق ، ودول اوروبا الشرقية بلغاريا ورومانيا وهنكاريا ، وبولونيا ، وغيرها ،شوارع بغداد وحتى المحافظات   استقبلت  سيارات الاصدقاء  بمواقف  متباينة ، فهناك من ذمها وعدها سببا في الاختناقات المرورية ، لارتفاع "حماوة "المحرك ، وعدم تمتعها بمواصفات تنسجم مع  الظروف المناخية وخاصة في  فصل الصيف ، حين  ترتفع درجات الحرارة  وتتجاوز الخمسين درجة ، والفريق الاخر  وانطلاقا من ايمانه بدور المعسكر الاشتراكي في دعم حركات التحرر   ومساندة الدول النامية ومنها العراق جعل "اللادا والبولسكي  والفولكا البعيرة "  تتقدم على المارسيدس والشوفرليت  والدوج ابو  عليوي والكاديلاك والرولزرايس ، وانتهى الصراع بين  الطرفين من دون حسم الافضلية عندما قررت الحكومة مطلع الثمانينات التوجه الى الاسواق اليابانية لاستيراد السيارات  وانهت الجدل حول مشكلة "الحماوة "  ولكن الملف انتقل الى ميادين اخرى.
استقبل المتظاهرون بالتصفيق "الحار "  زعيم حزبهم ، والتعبير  يحمل ايحاء واضحا للحماوة ، والتمسك بالشعارات الوطنية ، وخدمة مصالح الشعب ، واعتاد العراقيون قبل خوض الانتخابات المحلية والتشريعية ، سماع حديث رؤساء القوائم حول مشروعهم وبرنامجهم الوطني ، وعندما  انضم  خضير ابو الفلافل من ابناء حي الشرطة الرابعة الى احدى القوائم لينفذ برنامجها في حال حصوله على مقعد في مجلس محافظة بغداد ، اعلن في سوق الحي انه "الوطنجي" الوحيد بين المرشحين لان اسم قائمته " تجمع .... الوطني" . ابو عباس  فشل في الحصول على الاصوات ،  وانتقد الناخبين لانهم وبحسب تعبيره تعاملوا مع عملية الاقتراع ببرود ، وكان يتمنى  ان تنتابهم حرارة المشاعر الوطنية  لكي يدلوا باصواتهم لصالحه ، لكنهم تنقصهم "الحماوة" ، وخرج خضير من المنافسة بلقب جديد "الوطنجي"  لكنه لم يفقد الامل ، لان الحماوة الوطنية تلبسته واصبحت جزءا من شخصيته ، وابدى رغبته واستعداده وتحت تأثير حرارة اللقب ، لتكرار خوض التجربة  لعل الحظ  يحالفه في الانتخابات المحلية المقبلة  ليحقق المشروع "الوطنجي" .
من حق الرجل التعبير عن  مشاعره لحبه لشعبه وبلده  بطريقته الخاصة ، ولا يحتاج الى مقياس "حماوة " لمعرفة وطنيته ، يكفي  انه "خضير الوطنجي"  ليس مثل بقية دعاة المشروع الوطني  تخلوا عنه في الجولة الاولى من مفاوضات تقاسم  الوزارات ، فيما ظلت فضائياتهم تبث التقارير اليومية حول تمسك  "الوطنجية" بمطالب المحافظات المنتفضة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram