نعى اتحاد الادباء والكتاب في العراق القاص محسن الخفاجي الذي وافاه الاجل اثر نوبة قلبية مفاجئة داهمته مساء السبت في مدينته الناصرية،عن عمر  64 عاما، بعد معاناة طويلة من الاوجاع والامراض التي تركت اثارها على صحته، ومن ابرز العلامات الفارقة في حياته اعتقاله من قبل القوات الاميركية وزجه في سجن (بوكا) لمدة ثلاث سنين قال عنها (حتى السحابة بكت لأجلي).

والخفاجي قاص وروائي ومترجم من الناصرية (جنوبي العراق) يكتب الادب القصصي منذ عام 1967 وحصلت اعماله على تقدير نقدي كبير منذ الستينيات، ووصفه الكثيرون بأنه من اجمل كتاب القصة والرواية في العراق، وقد درس اعماله العديد من النقاد منهم الدكتور علي جواد الطاهر جبرا ابراهيم جبرا والناقد فاضل ثامر وياسين النصير وغيرهم، ويؤكد العديد من الادباء انه كتب القصة والرواية في سن مبكرة، فاحتل بجدارة الصف الأول من بين كتابها.

المدى استطلعت اراء عدد من المثقفين العراقيين بهذه الخسارة للابداع العراقي :

الناقد فاضل ثامر قال:

تلقينا ببالع الاسى والحزن نبأ رحيل واحداً من القصاصين المتميزين ألا وهو الاستاذ محسن الخفاجي الذي صارع المرض لفترة طويلة من حياته التي كللها بالابداع الادبي فقد كان ممن يتقنون كتابة فن القصة بمهارة.. واذكر خلال فترة التسعينات كنت عضواً ضمن لجنة الفحص والاشراف على مسابقة قصصية وقد منحت الجائزة الأولى لأحدى مجاميعه.. ومما يؤسف له ان الخفاجي قد تعرض للاعتقال اثناء الاحتلال الاميركي وأدع سجن بوكا، واستغرق سجنه فترة طويلة بعد ان اتهموه باعطاء معلومات غير صحيحة او مظللة، وبسبب الظروف الغير صحيح في السجن تفاقم مرضه وصارت حياته اكثر شقاء وصعوبة.

القاص والروائي احمد خلف اعتبر صديقه القاص والروائي الموهوب محسن الخفاجي من الادباء النادرين الذين وقع عليهم الحيف منذ بداياتهم الأولى، واني إذ افاجأ الآن برحيله انه لأمر يترك غصة عميقة في نفسي، فهو من القلائل الذين عرفوا بحق معنى الكتابة الأدبية، ومعنى ان يكون الكاتب قاصاًِ وروائياً، أي انه كان في مواجهة الواقع من دون تورية، وهذه احدى خصائص العزيز محسن الخفاجي الذي أعدّ نفسي بأن لا انساه ابداً، رحمه الله تعالة وادخله فسيح جناته.

القاص جاسم عاصي قال عن الراحل:

يعد رحيل الزميل المبدع محسن الخفاجي خسارة كبيرة لمشروع أدبي متطور، إذ دأب الراحل على تقديم تقنية معرفية بالغة الأهمية، وذ1لك يعود لمعرفته باللغة الانجليزية قراءة وترجمة. وهو أحد جيل السبعينات الذين لم يسلط عليهم النقد يشكل جيد برغم ان هذا الجيل قد شهد تحولات البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. اتمنى ان تدرس سرديات الخفاجي قصة ورواية كي تأخذ حقها في مجال التاريخ. 

الاديب علي شبيب ورد قال عنه:

على عينيه كانت ترتسم فوضى بلاد تباعد بين أبنائها والفرح، ومن بين فوهاتها تخرج لهم نيران فناءات لا تنضب، ونصال جراح لا تندمل.. مثله لم يهادن العراقيل، ولم يخشع للريب، وليس في جعبته مواسم خشوع للمحاذير، وعلى كتفه تبددت صخور المحظورات.. وما عادت تردع تصوراته حجب العادة والمألوف والثوابت، ولم ييأس كما يئس سواه من مجايليه المارين على جمر وطن ملتهب.. ومثل غيمةٍ تمنح أمطارها لليباب، فتح قلبه لمحيطيه، الخفاجي كان ينبض أبدا حبا بريئا، كما طفل لم تدنس براءته سنون القهر والعمر القاهر المرير.. ولمن لا يعرفه.. نبوح بخفايا مرحه المتواصل، وشغفه الحثيث بالأمل والمحتمل، وعدم اكتراثه بالمصدات وحقول الألغام والموانع، بحثا عن فسحة متعة وجمال، في عالم يقطر دما.. ليس هذا فقط.. بل كان ربان بياضٍ، ينزف من مداد روحه حروفا وكلمات تزخرف نصوصا لا أحد ينكر كفاءتها في عرض مفاتنها على عيون القراء.. ليس يكتب فقط بل ينسج من ندى الكلمات شراشف مزركشة بألوان البساتين والأنهار والعيون الحبلى بالتطلع نحو آتٍ يرفل بالبهجة..

غادرنا مبدع نص (قناع بورشيا) فجأة.. لكن نصوصه باقية معنا.. لذا لن نقول وداعا أبدا.. 

الاديب والمترجم أمير دوشي قال:

في زمن الفتنة الطائفية، يكون رحيل محسن الخفاجي خسارة أليمة لقيم التنوير والحداثة. إذ ظل القاص الراحل خلال سنوات عمره الذي تخطت الستين، أمينا ووفيا لقيم الحرية والعدالة والجمال. عاش متصوفا في محراب القصة القصيرة. وحينما أعياه المرض تحول إلى مشاهدة الأفلام السينمائية، والاستمتاع بروائع الفن التشكيلي العالمي والتبشير به عبر صفحته على الفيسبوك. لقد مثل فنه القصصي أنموذجا للقصة القصيرة المعاصرة، حيث اختزال اللغة وثراء الصور وتنوع الدلالات، في العزف على موضوع أنساني ابدي يعاين الحب والجمال والموت.

الاديب والناقد احمد ثامر جهاد كتب نصا بعنوان حكايتنا لن تصل ابدا:

احمد ثامر جهاد

لن تضيف جملة أخرى لما سطرته في سنوات سابقة. فقد ختم رحيلك جملة حياتك. حياة بدت لك ولنا، انها قصيرة، أليمة، وقد التهمت منك في أخرياتها طاقة الجسد وإرادة الروح، وكأنها نُذرت لشقاء لن تقوى على تحمله، فاخترت الرحيل. 

اعرف انك تفكر بقصص لم تر النور، كنت شرعت بكتابتها منذ سنوات، وثقت فيها تجربة السجن المريرة. وقصص أخرى كنت تنوي كتابتها، ولم يسعفك الوقت بعد. كما لم يمنحني القدر فرصة ان أفي بوعدي واحمل لك ما طلبته من أفلام.

في وحشة الغابات السرمدية البعيدة، سترى النور يا صديقي. حيث يقف القصاصون في واحة الظل، فرادى، لا يبصر احدهم الآخر، لكنهم يشيدون برجا خرافيا ويعيدون من عليائه سرد حكاياتهم مرة تلو أخرى على مسامع الأيتام. فيما ستشهد بعد حين، سيل حيواتنا جميعا، تأتيك إلى حافة الآخرة، وقد بهتت وتحولت الى حكايات حزينة. 

هل كانت شهية الحياة عندك اقل من الشغف بالكتابة؟ لا أظن. فابتسامة لم تفارقك، كانت تشهد دوما على رغبتك في البوح والمرح الطفولي. بوح صريح منحاز للحياة، كان قد دفعك عام 1992 لكتابة رسالة الى ارنست همنغواي، بدا انها لن تصل ابدا، تخبره بالقول:" جنودكم يموتون في بلاد بعيدة، تقودهم رائحة النفط إلى حتفوهم..ماذا كنت ستقول لو كنت جنديا في هذه الحرب؟ قد نتحطم يا سيدي، لكننا لن نهزم.."

ليس لي إلا أن استعيد هنا كلمات قصيدتك " دموع ذهبية"

" قطرة ماء باردة

تلك التي سقطت عليَّ من الأعالي..

يداي موثقتان، وقلبي ميت

وأنا بعيد بعيد. انحدر إلى الجنوب القصي، 

سيهبط ظلام الليل ويبتلعني.."