TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عشرون عاماً على موته في زيارة قبر كانيتي 1-2

عشرون عاماً على موته في زيارة قبر كانيتي 1-2

نشر في: 30 سبتمبر, 2014: 09:01 م

عندما اختار الكاتب صاحب النوبل إلياس كانيتي، وهو على قيد الحياة، قبره الذي أرادت بلدية زيوريخ تكريمه به، إلى جانب قبر الايرلندي، الروائي القريب من الأسطورة، جيمس جويس المدفون هناك في مقبرة "فلفترن" في زيوريخ، فهو فعل ذلك، لأنه أخذ في حسبانه أمرين مهمين: الأمر الأول، هو الشهرة العالمية التي يتمتع بها صاحب "ناس من دبلن"، و"صورة الفنان في شبابه"، "يوليسيس"، أما الأمر الثاني، فهو قدر جيمس جويس الذي حُكم عليه، ولا يزال، بأن يظل كاتباً غير مقروء على رغم الشهرة التي يتمتع بها. تلك بالضبط هي قدر جويس التراجيدي الذي اثر على كتابة الرواية عالمياً، لكنه رغم ذلك مات ولم يحصل على جائزة نوبل، مثلما لم يكن قارئاً جماهيرياً مثل أحد تلاميذه اللاحقين، الكولومبي غارسيا ماركيز مثلاً. ولكن أن يكون جويس غير مقروء، فهو أمر مفهوم إلى حد ما، لأن القراء المتمرسين بالأعمال الأدبية العالمية المعقدة يقفون غالباً عاجزين عند قراءتهم، "أم الروايات": يوليسيس. ولكن ما شأن إلياس كانيتي بذلك؟ لماذا هذه المقارنة، لسبب بسيط، أنه هو الآخر، ظل كاتباً غير مقروء، على رغم طريقته السلسة في الكتابة، وعلى رغم جمله غير المعقدة، وسخريته اللاذعة التي تشبه أسلوب جونيفان سويفت، وأفكاره العميقة عمق أفكار التشيكي فرانتز كافكا، لكي نسمي فقط بعض رموز الأدب المتربعين على عرش قمة الأولمب، والذين لم يخف إلياس كانيتي ذاته، إعجابه بهم.
ومن المفارقات اللافتة، أنه على عكس الكثير من كتاب اللغة الألمانية، لم يهمل النقد إلياس كانيتي، ويذكره في وقت متأخر فقط، ليس لصعود النازية المبكر فقط والتي جعلته يهرب من فيينا (حيث كان يعيش) إلى لندن، على عكس العديد من الكتّاب الألمان الذين فروا إلى بلدان أخرى، باريس مثلاً، وإنما لأسباب أخرى، تتعلق بإلياس كانيتي نفسه وبسيرة حياته. فعندما صعدت النازية إلى سدة الحكم في المانيا وأطبقت مثل الطاعون على أوروبا والعالم، لم يكن إلياس كانيتي قد كتب أكثر من كتابين وحسب، ناهيك بعدم معرفة العديدين سواء من النقاد أو من جهور القراء بجنسية الكاتب الحقيقية، إلى اي البلدان ينتمي؟ للمرة الأولى تعرف جمهور القراء الألمان الى إلياس كانيتي ونال إعجابهم في بداية سنوات الستينات، ثم عندما أصبح كتابه الصغير والبسيط "أصوات مراكش"، الذي يصف فيه رحلته إلى المغرب، الكتاب الأكثر مبيعاً، عند جيل 1968 الألماني، الذي عشق السفر إلى مراكش في تلك الفترة. أما جائزة نوبل للآداب والتي حصل عليها عام 1989، فجعلت شهرته تصبح عالمية.
ومع ذلك، حتى اليوم يتساءل المرء، لماذا يهز البعض رأسه، عندما يُسأل، فيما إذا كان قرأ عملاً من أعمال كانيتي أم لا؟ والمصيبة أكبر لقراء العربية، فلا يحضرني هنا، عدد الأعمال المترجمة له الى العربية ولا أبالغ إذا قلت كتابان: "أصوات مراكش" و "المحاكمة الأخرى" وكلاهما لم يترجما عن اللغة الألمانية مباشرة! ولكن إذا كان الأمر عندنا بسبب الترجمة، فلماذا في ألمانيا أيضاً، ما دام الناس يستطيعون قراءته باللغة الأصلية؟ ربما لذلك علاقة بحياة كانيتي، الغريبة بعض الشيء. ومن الطريف، أن نذكر في هذا السياق، أنه عندما حصل على جائزة نوبل، لم يعرف الكثيرون، أية جنسية يحمل إلياس كانيتي: هل هو ألماني أم نمسوي أم سويسري أم بلغاري أم بريطاني؟ ويعود ذلك إلى تشابك أصل كانيتي، وهجرة عائلته منذ زمن أجداده، عبر بلدان عدة. من هو كانيتي إذاً؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram