TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الحياة قرب الـ  bpc 

الحياة قرب الـ  bpc 

نشر في: 30 سبتمبر, 2014: 09:01 م

 يخبئ مدير شركة نفطية عاملة في الرميلة هي بريتيش بتروليوم عقب سيجارته في جيب بنطاله الجينز بعد إطفائه طبعاً، ويسير سائق سيارته المصفحة بسرعة محددة بلوحات على جانبي الطريق، وشبكة الشوارع نظيفة، مرشوشة، تضاء ليلاً بمصابيح ولا أجمل منها، في النهار تعمل منظومة الري على رش الحدائق والجزرات الوسطية، المزروعة بأجمل الشتلات. ساكنو المنطقة من العراقيين والأجانب يتعاملون مع نظافة منازلهم بأحدث ما يكون. وبقطعة قماش معقمة يمسح عامل النظافة الآسيوي قبضة الباب الرئيسي ساعة خروجه. المكاتب أنيقة، ملونة، والموظفون أنيقون يتعاملون بتهذيب يذكرنا بعصر مضى. أشياء مما لا نجدها في المدينة نعثر عليها في موقع شركات النفط الأجنبية العاملة بحقل الرميلة.
  لا يدخل الموقع إلا من يملك تصريحا بالدخول، ولا أحد يسير في شوارع الموقع بسيارته أكثر من 80 كلم في الساعة، فيما تنخفض السرعة إلى 20 كلم داخل الكامب، حيث يسكن الموظفون، يوجد جهاز مراقبة السرعة والمخالفات في كل سيارة، والكل ملتزم لأن نظام العقوبة لا يرحم فتكرار المخالفات ينتهي بالطرد من العمل في الرميلة. مطبات الطريق هي اللافت للنظر، فهي لا تؤذي احداً، لأن الشوارع بلا حفر، ولا نفايات أبداً، الشوارع نظيفة، خالية من قناني المياه الفارغة وعلب النايلون. وفي موقع الرميلة يرتدي الجميع ملابسهم بموجب التخصص الوظيفي فعامل استخراج النفط لا يخلع ملابس العمل لأن مستلزمات سلامته مشددة جداً. كنت أصغي لسائق التكسي الذي ظل يحدثني عن تجربته هناك والتي انتهت بطرده لأنه أخفق في امتحان القبول كسائق لدى إحدى الشركات.
  تركتُ السائق عند نقطة وصولي وسط العشار، قلب مدينة البصرة مع غصة حقيقية أبلعها فلا أستسيغها، فتذكرت منزل خالتي ام رياض في محلة الومبي( الاصمعي) حاليا التي بنتها شركة البي بي للعاملين لديها بحديقتين امامية وخلفية، جالت عيني في شوارعها التي كانت نظيفة قبل نحو من نصف قرن ويزيد. كنت أركض في ازقة الحي الصغير فلا يعلق الطين بقدمي، أنا ابن الطين والوحل، القادم من اقاصي النخل بأبي الخصيب. وأشاهد الورد محفوفا بالآس في مساحة مربعة قرب الباب ومثله في المسحة الأخرى عند الباب الاخير. اتذكر ان الاطفال كانوا يلعبون ويمرحون وسط حدائق واسعة قرب السوق، والنساء يومئن لبائع النفط ولسائق التكسي بأذرع بضة بيضاء، خالية من وزر التحريم والتحليل. اما الرجال فتقف سيارة شركة النفط الصفراء امام بيوتهم وترجعهم عند الساعة الثالثة عصراً. ولا أقول بأن نادي النفط كان واحداً من أهم المراكز الاجتماعية هناك، حيث تأسست أولى لبنات المدنية في المدينة.
  لا يبدو الحديث عن المستعمر لذيذاً، لكن منازل ضاحية المربد في الزبير التي لاتزال شاخصة إلى اليوم بطرازها (الجملوني) المقطّع من الداخل على هيئة غرف وملحقات إضافية أخر، يمنحني صورة أخرى للجمال، وما مدينة المعقل( ماركيل) بأقل جمالاً وتحضراً من أحياء هنا وهناك. هل نقول بان التهذيب في العيش من خلال نظافة الشارع والمسكن والحديقة العامة والطرق ومتطلبات الحياة الحق شان مستورد، غير قابل للتعريب او التعريق،أو التبصير(من العرب والعراق والبصرة)؟ هل ينبغي لنا ان نستقدم كل نصف قرن من الزمان شركات اجنبية نفطية تعيد لنا التفكير بأنماط حياتنا وترسم لنا شوارعنا وحدائق منازلنا ومخازن أمتعتنا؟ هل عجزنا عن إيجاد حكومة عراقية واحدة قادرة على تسويقنا للعالم بحيث لا يعيب علينا احد سلوكاً في عيش وسكن ومأكل ومشرب ومنام وقضاء حاجة ووووو؟
  حين دخلنا موقع سجن بوكا بعد تسليمه للجانب العراقي من قبل الجيش الأمريكي بغية تحويله إلى ما يسمى بـ (مدينة البصرة اللوجستية) تعنى بإيواء كبار رؤساء الشركات الاستثمارية بحيث تقوم على توفير وتأمين كل ما يتطلب لسكنهم من ترفيه وخدمات بدلا من سكنهم في دول الخليج، اقول حين دخلنا كانت أعقاب السجائر تملأ فروج الحصي المنثور كممرات داخل(المدينة)، كنت شاهدتها نظيفة في زيارة اخيرة للسجن ذات يوم . انا لا أجيب عن أسئلتي. أنا حائر بما لدي وبين يدي وفوق رأسي. وكل عام وانتم بخير .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram