شاكر الأنباريبلغت واردات النفط في الشهر الماضي، حسب تصريح لوزارة النفط منشور في جريدة ايلاف الالكترونية، حوالي اربعة مليارات دولار. وهو مبلغ اقل ما يقال عنه انه ضخم فعلا، ويستحق التوقف عنده. فرغم تخلف وسائل الانتاج،
ومعوقات الكهرباء والنقل والأنابيب العتيقة وبقايا العمليات الارهابية، يصل الى جيب الوطن هذا المبلغ الذي يمكنه ان يحل معضلات بنيوية في المجتمع. والمعضلات عديدة منها شبكة الكهرباء المهترئة، والطرق المتهالكة، وشبكات الخطوط الحديدية التي تحولت الى كائن خرافي منذ سنوات. كذلك ترميم او بناء آلاف المدارس المتداعية، خاصة في القرى والأرياف والنواحي والأقضية، في هذا الشتاء القارص الذي يتغلغل الى عظام ابنائنا مثل فساد اداري. هذا عدا اعادة تشغيل المعامل، وتنظيف البزول والأنهار لكي تستعيد الزراعة رونقها بدل ان نستورد حتى الفجل والكراث، والتمر بعد حين، من سورية، والأردن، وايران، وتركيا. يمكن ايضا ارسال طلبتنا المتفوقين الى جامعات العالم المتطور، تجهيز مدارسنا بالحاسبات والمختبرات، وانشاء دور للموسيقى والباليه، ومعاهد للعلوم النووية وربط البلد بشبكة من المطارات، واعادة تفعيل موانئنا المهدمة واقامة حلقات ثقافية وتوعوية في حقوق الانسان لجميع المحافظات. لأن أي اعادة بناء دون ترميم تشوهات الانسان التي نتجت بعد معاناة كارثية طوال عقود من الحروب والهجرات والقمع الممنهج لن تنجح، مهما حسنت نيات القائمين على اعادة الاعمار. لكننا نعرف ان دوائر الدولة لن تستفيد من هذا المبلغ. كما لم تستفد من المبالغ السابقة، وهي اضعاف ذلك الرقم، لأسباب كثيرة. البلد سيوضع في الثلاجة حتى انتهاء الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة. وهذا سيستغرق على الأقل ستة اشهر، ان كان المرء متفائلا في توقعاته. وهذا المبلغ لن يستفيد منه الوطن، ولا المواطن، بفضل اللصوص الكبار والصغار الذين كان آخرهم شبكة لصوص في امانة العاصمة التي اختلست حوالي مليار ونصف مليار دينار. وهو مبلغ بسيط مقارنة بسرقات الحيتان الكبار المشرفين على العقود الضخمة، والمشاريع غير المنفذة سوى على الورق وداخل خزينة الدولة، وتجار الحروب من اباطرة الميليشيات والحركات السياسية الملفقة ممن يتلقون دعومات حتى من الشيطان. لن يستفيد منه الوطن لأنه لم يستفد من مبالغ طائلة في السابق، بعد ان ذهبت التخصيصات الى جيوب اعضاء في مجالس محافظات، ووزراء، ووكلاء وزراء، ومدراء عامين، وحراسات أمنية، وتجار عابرين للحدود الوطنية والاقليمية، ومقاولين بارعين في الغش. لا يهمهم ان يتحفر الشارع الذي بلط بعد اسابيع فقط من اكسائه. وتتصدع المدرسة التي رممت بسبب اول مطر خريفي، فالترميم لم يكن سوى اصباغ خادعة. كل ذلك يجري وسط غياب لجنة النزاهة، والمراقبة والتفتيش، والأمن الاقتصادي، ومراقبي الجريمة المنظمة، والقضاء، والوزارات الأمنية. لا أحد يسمع أو يرى أو يتكلم، كما لو طال الجميع ممن في سلم المسؤولية سحر الفساد العظيم. السارق لم يحاسب على سرقته، والمجرم ظل طليقا، والمقصر أصبح مديرا للتدقيق في إحدى الدوائر، والقاتل يقف في الواجهة الاعلامية يداعي بحقوق الانسان.
وقفة: اللصوص الكبــار
نشر في: 8 ديسمبر, 2009: 06:09 م