TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الخليجيون لم يزوروا العراق

الخليجيون لم يزوروا العراق

نشر في: 1 أكتوبر, 2014: 09:01 م

كل الدنيا جاءت الى العراق خلال الشهرين الماضيين، تعاوناً ومواساة، تقريعاً او تشجيعا على التصالح الداخلي وطي صفحة نوري المالكي وخطاياه، إلا ساسة بلدان الخليج العربي. فقد ذهبنا نحن اليهم ضمن لقاء جدة الذي نظمته السعودية بهندسة اميركية، وهم لم يأتوا.
لقاء جدة حمل ترحيبا خليجيا بما حصل في العراق من تغييرات وإرادة للإصلاح، وبادر السعوديون الى إطلاق اكثر من إشارة إيجابية في هذا الإطار، لكن كل ما حصل حتى الآن اقتصر على استئناف قناة العربية لسياستها المتوازنة نسبيا مع العراق، بعد شهرين من أداء إعلامي كان محزنا للعربية، محطتي المفضلة، ولأصدقائها وانا منهم.
الخليجيون قالوا بوضوح انهم مع العراق، وشاركوا بطائراتهم المقاتلة لضرب اهداف في منطقة داعش وخط تموينها بين سوريا وحدود العراق، لكن احدا منهم لم يأت الى بغداد، وقد فضلوا كما يبدو الانتظار، للتثبت من "النوايا الاصلاحية" للفريق السياسي المحيط بحيدر العبادي. ولكن ما الجديد في هذا الانتظار الخليجي؟
نعم، فقد بقيت الدول الخليجية المؤثرة، تنتظر وتنتظر، طوال ١١ عاما، وتبدي انزعاجها، فيما يمارس اشخاص نافذون فيها، من بعيد، افعالا ليست بالإيجابية. بينما جاء الاتراك والايرانيون، فضلا عن الدول الكبرى، وذهبوا وصنعوا نفوذا ومصالح، اساؤوا او احسنوا، لكنهم كانوا قريبين، وظل الخليج بعيدا.
وانا شخصيا، وبشكل محدد اكثر لكوني من البصرة التي تحتضن الخليج ولا يحتضنها، احاول على الدوام ان اتفهم الحذر الخليجي من الحالة العراقية عبر عقود ومنذ العهد الملكي حتى. واقول للأصدقاء الخليجيين انني كعراقي اكاد امثل حالة وسطى بين المجتمع الخليجي ومجتمع الشام، ونقطة وصل بين المناخين الثقافيين المختلفين. ولذلك فانا لا انظر ابدا للخليج كجزء عدائي في المنطقة، بل جزء قريب الى اقصى الحدود، للروح والمصالح، هو امتداد لنا بقدر ما نحن امتداد له، بينما تعزلنا عنه الريبة المتبادلة والقلق، المشروعان احيانا والمبالغ فيهما في احيان اخرى.
اليوم نشترك على نحو استثنائي في مشروع خليفة عراقي بغدادي او سامرائي، نحو نصف مقاتليه من جنسيات عربية، وعلى رأسهم مواطنون خليجيون. ولذلك فان القلق الذي استولى على الرياض والكويت بعد سقوط الموصل، كان امرا حقيقيا وليس مفتعلا، ونوع التحدي يتطلب ان يتردد الخليجيون على بغداد كثيرا، لا للمجاملة، ولا لمجرد حاجة لتبادل المعلومات التي تهدد الطرفين، ولكن لمساعدة العراقيين وتشجيعهم على اتخاذ خطوات انفتاح اكبر على المحيط العربي، وازعم ان قادة عراقيين من كل الاطراف تحدثوا بشكل لائق ومسؤول ضمن هذا الاطار.
واعني بالمساعدة التي تخص اكثر من طرف، ان يساعد الخليجيون اصدقاءهم في العراق، وخصومهم او الاطراف التي ترتاب من الدور الخليجي بعامة، مساعدة تدفع خيوط الوصل وتقلل اسباب الجفاء.
السياسة في بغداد مليئة بالأخطاء وسوء التقدير، لكن ماذا عن الاخطاء الاخرى؟ فبقاء السعودية بشكل خاص، تنتظر تغيرا جذريا، هو امر لن يكون مضمون النتائج. اما اذا اقبلت واتخذت خطوات تقارب واضحة، وتعاونت وتنازلت كجزء من تغيير مسؤول اقليمي، فإنها ستشجع اصواتا مهمة في العراق للمطالبة بتصحيح اكثر جدية في الداخل والخارج، ادراكا لحقيقة ان الوضع الحالي بين الطرفين غير مقبول، ولا يمكن ان يبقى على هذا النحو.
التقارب مع الخليج وغير الخليج، لن يضع حدا نهائيا لمشاكل العراق والمنطقة، لكننا نعيش مرحلة ليست فيها احلام بحل الأزمات بالكامل، وقصارى ما نريد هو تخفيف كوارثنا، فالتطرف الديني المسلح مثلا لا يمكن القضاء عليه، والمعقول هو تطويقه. وكسر الحواجز النفسية المطلوبة لهذا، يبدأ من كسر السلبية السعودية بشكل خاص.
اننا نكتب على ابواب العيد. وفي الاضحى السالف ختمت مقالي بهذه العبارة وانا اتابع الادب الفارسي في العصر الوسيط : لقد تنبه النقاد الى ان وردة شقائق النعمان (لاله زار) ظلت تحمل الكأس ٤٠ عاما، في قصائد حافظ الشيرازي، اذ يقوم بالتغزل بها في اوضاع متعددة وهي تحتسي الصهباء، على يسار الدراويش، وعلى يمين الشعراء. لكن الاحتفال بالكأس لم يكن طرباً لنبأ مفرح، ولا طلباً لمرتبة في العرفان، بل لمواجهة انسداد الزمان والضجر المتأتي من انتظار الحكمة.
عيدكم مبارك. وعساكم من عواده.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو سجاد

    يااخ سرمد العزيز ان احتضان االعرب للعراق امر مهم جدا حتى لايبتعد العراق عن محيطه العربي ويكون جزاْ من ايران ويذهب العراق تاريخا وانتماءا الى الدولة الجارة ايران ولكن الدول العربية والخليجية خصوصا هي قلقة من السياسيين العراقيين اللذين لم ينفكوا من مهاجمت ا

يحدث الآن

بايدن: اتفاق غزة بات أقرب من أي وقت مضى

خرائط وبيانات ملاحية ترصد 77 خرقاً "إسرائيلياً" لأجواء أربعة دول عربية منذ تهديد إيران

مشعان الجبوري يخاطب "السيادة": اعتذروا والا

أمر قبض ومنع سفر لـ"زيد الطالقاني"

برلماني يكشف آخر مستجدات منصب رئيس البرلمان

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

قناطر: في قراءة قانون الأحوال الشخصية

قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959

الدولة لا الاحكام الظنية من تضع للاسرة تشريعاتها

العمودالثامن: لماذا يطاردون النساء ؟

العمودالثامن: من الشبيبي إلى رشيد الحسيني

العمودالثامن: من الشبيبي إلى رشيد الحسيني

 علي حسين لم يكن الشيخ محمد رضا الشبيبي مجرد سيرة حافلة بالمواقف الوطنية، بل كتاباً غنياً لحقبة من الزمن الجميل، كان الشبيبي يريد دولة تقوم على العقل والأخلاق السياسية والاجتماعية وكرامة الإنسان، كان...
علي حسين

كلاكيت: عماد حمدي.. المسطول الذي رثى مسيرته

 علاء المفرجي إذا ما سلمنا أن الممثل عادة هو من صنع المخرج، فأن انطلاقة الفنان عماد حمدي كانت من تلك الفورة الكبيرة في السينما المصرية ومن نشاط المنتج (شركة أو افراد) التي كانت...
علاء المفرجي

قرنان من التشيع والحوزة في العراق.. من 1722 إلى 1922

علي المدن شاهدت الحلقة التي أعدها الأستاذ أحمد الحسيني على قناته في اليوتيوب وكان عنوانها (صراع قم مع النجف.. هل اقترب ظهور المرجع العراقي). وهي حلقة غنية بالمعلومات تنم عن جهد كبير بذله الحسيني...
علي المدن

الدولة لا الاحكام الظنية من تضع للاسرة تشريعاتها

هادي عزيز علي اعتمد الفقهاء المسلمون الاحكام الظنية التي تتسع فيها دائرة الاجتهاد اذ استنبطوا منه الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي فيما لا نص فيه للوصول الى قواعد عملية تتعلق بادارة الشان العام بما...
هادي عزيز علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram