تذكـر كاترين موريس في السِّيرة الممتعة التي كتبتها عن سارتر أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين الباحث الوسيم والعبقري المتميز، وتضيف :أنهما بعد أن أصبحا صديقين خلال العامين 1943- 1944 ذابت الفوارق بينهما تماماً، وتروي كيف أن سارتر بينما كان ثملاً ذات يوم قال موجهاً الحديث إلى كامو"أنا أذكى منك.. نعم أذكى منك" ورأى كامو في يوم آخر سارتر يودِّع فتاة جميلة فسأله: ما الذي يوقعك في مثل هذه المشكلة الكبيرة؟ فردّ سارتر: هل تطلـَّعت إلى وجهي؟
ظلّ كامو يؤمن بأن متعة الحياة هي في تحدي الصعاب، فيما أصرَّ سارتر على أن حرية سيزيف مثل صخرته صماء"لست حراً أبداً إلا في المواقف التي أتخذها".
فأين هي المشكلة.. كان كامو يرى أن الإنسان يشبه سيزيف بطل الأسطورة الإغريقية التي تقول: إن سيزيف محكوم عليه بأن يحمل صخرة كبيرة الى أعلى قمة جبل حتى إذا كاد يُدرك القمة ، تتغلب الصخرة عليه فتخور قواه لتعود الصخرة من جديد إلى السفح، عندها يبدأ سيزيف – الإنسان – رحلة الصعود ثانية وثالثة ورابعة وإلى ما لا نهاية.. إن قيمة الحياة عند كامو هي في رفع الصخرة.
فسيزيف يعلم أنه محكوم عليه، وأن هذا الحكم لا رجعة فيه، ولكنه مع ذلك يرفع الحجر ويلاحقه إذا هوى، إنه يقاوم المستحيل، ويعلم انه يقاوم بلا أمل، ومع ذلك يستمر في مواجهة المستحيل، فيما رؤية سارتر تبدو أكثر ميلا لمبدأ الاختيار: أنت حــر وإذن فلتختر."
سارتر يفتش عن السعادة وكامو مهموم بالعدالة ، وكان مأخذ كامو على سارتر أنه يرفض الواقع عبر معادلة"لا ضحايا ولا جلادون".
يكتب سارتر في رده على تمرُّد كامو، هل تعرف ما هو أقسى أنواع الظلم؟ أن تعدو لكي تبقى مكانك.. فعندما تخسر ما أنت فيه تكون قد تخلـَّفت إلى الوراء، والوراء لا حدود له.
ويردّ كامو: "لقد ترعرعنا على قرع طبول الحرب وتابعنا منذ ذلك الحين حكاية القتل والجور والعنف إلا أن التشاؤم الحقيقي كالذي نراه اليوم يكمن في استغلال هذه الوحشية والخزي في قهر الآخرين، لم أكن أنشد غير سبيل واحد لتجاوز العنف بكل أشكاله".
في مدن اللاعدالة والقهر نعيش مع ساسة يحوّلون الحق إلى ضلالة والحياة إلى جحيم يكتوي بنارها معظم العراقيين، كم مثير للاشمئزاز أن الساسة الذين كانوا يطالبون بالحرية نراهم اليوم يمارسون الوحشية والاستبداد اللذين مارسهما صدام وأبناؤه ومقربوه من قبل، في مدن اللاتسامح تغيب العدالة وتصبح الديمقراطية مجرد واجهة لسرقة أحلام الناس ومستقبلهم، لتتحول إلى شعارات وخطب يُلقيها علينا صباح كل يوم مجموعة من الانتهازيين واللصوص والمُزوِّرين، ديمقراطية شعارها التفاهة والسفاهة والبلادة والشراهة.
كتب سارتر إلى ديغول يُطالبه بالرحيل عن كرسي الحكم "إياك أن تظنّ أن الديموقراطية تعني الطغيان لمجرد حصولك على الأكثرية، الديمقراطية الحقة تقضي أن يكون الحاكم ضامناً مصالح جميع المواطنين بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية والسياسية".
ظل همنغواي يبحث عن نهاية لرائعته وداعاً للسلاح، فكتب 47 خاتمة وعندما سُئل عن سبب هذه النهايات الكثيرة، أجاب"من اجل الوصول إلى كلمات مناسبة لمعنى الأسى الإنساني"، ويقترح عليه صديقه فيتجيرالد صاحب "غاتسبي العظيم" أن تكون النهاية على النحو الآتي:"العالم يقتل الأفضل والأجمل والأشجع من بين الناس، من دون أي تمييز، فإذا لم تكن من بين هؤلاء يمكنك أن تتأكد من أنه سوف يقتلك أيضا، ولكن من دون أيّ استعجال".
وها نحن نُقتل ونغرق في كهوف الظلام، ولا ندري أن ابن خلدون قال قبل ألف عام "كلما أوغلت الأمم العصبية، كانت أبعد ما تكون عن الحرية".
وللحديث بقية..
الغاضبون: جلاّدون وضحايا
[post-views]
نشر في: 12 أكتوبر, 2014: 09:01 م