أكد حصار مدينة كوباني السورية من قبل تنظيم داعش، والدفاع المستميت للكرد عن مدينتهم، وموقف التحالف الدولي من المعارك المستعرة عند أطرافها، تباين أهداف التحالف الدولي "التركي خصوصاً" ضد هذا التنظيم الإرهابي، فالطيران الغربي منشغل بغاراته في العراق، وقوات أردوغان تكتفي بالمراقبة عن كثب، رغم أن المدينة على مرمى حجر، لابل أنها تمنع الكرد الأتراك من نجدة إخوتهم المحاصرين، على قاعدة "فخار يكسّر بعضه"، فالكرد المحاصرون يدينون بالولاء لحزب أوجلان، ويبدو أن المصالحة معه مؤجلة، وإن كانت ضرورة لاستقرار تركيا، والدواعش المهاجمون هدف لا تنفرد تركيا بالتصويب عليه وإنما تشاركها دول التحالف الممتنعة حتى الآن عن مشاركة أنقره في التصويب على هدفها الأهم وهو نظام الأسد، وهذا عند التحالف هدف مؤجل لعدة أسباب، لعل أبرزها المخاوف من رد الفعل الإيراني الروسي عند الغربيين، وربما عدم رغبة العرب المشاركين في التحالف منح "إخوان تركيا" أوراقا تمنح الإخوان العرب فرصة جديدة لبلوغ السلطة، بعد سقوط تجربتهم في مصر.
شئنا أم أبينا فإن لأردوغان أهدافاً في سوريا ليست أولوية عند التحالف الدولي الذي انضم إليه متأخراً، رغم أن موقع بلاده الجيوسياسي يحتم عليها حتى المبادرة قبل الآخرين، فالقيادة الأميركية ترى أن حسم المسألة السورية مؤجل، إلى أن يتم تدريب خمسة آلاف مقاتل من المعارضة المعتدلة، رغم معرفة الجميع أن هذا العدد ليس كافياً لتغيير ميزان القوى على الأرض، وسيكون على أردوغان انتظار تفاهم واشنطن مع طهران وعقد صفقة معها، لاشك أنها ستكون مختلفة عن ما جرى في العراق، فظروف البلدين وخارطة القوى ومصالح القوى الداخلية والخارجية مختلفة، والأهم أن الهدف مختلف، فالنظام العراقي المؤيد من طهران ولها عنده نفوذ كبير، ما زال قائماً وليس مطلوباً تغييره، بعد أن شاركت واشنطن في اللعبة السياسية، أما في سوريا فإن المطلوب تُركياً هو تغيير النظام، ولا يبدو أن التحالف مستعد لمجاراة رغبات رجب طيب أردوغان وشروطه في التغيير، وربما اقتصر الأمر على مساعدته في إقامة شريط عازل وآمن، في انتظار التسويات التي قد تعيد رسم خرائط المنطقة.
تشترك واشنطن مع طهران في هدف التخلص من داعش في العراق، وتختلفان قليلاً في مسألة دعم أربيل وتسليح البيشمركة وتأهيلها جيداً للدفاع عن "الإقليم- الدولة"، إذا كانت نتائج ما يجري اليوم ولادة كيانات جديدة، لكن الإدارة الأميركية تفضل عدم الاصطدام مع حساسية إيران إزاء مصالحها في سوريا ولبنان، خشية انعكاس ذلك على موقفها في مفاوضات ملفها النووي، أو إعادة تأهيلها لتكون عنصراً إيجابياً فاعلاً في جوارها الإقليمي المضطرب والعالم، وتحيط الشكوك بموقف أنقره من داعش فهي تشترط التدخل براً ضده وضد النظام السوري في آن معاً، مع أن قواتها قادرة على التدخل دون اجتياز الحدود، وفي الأثناء فإن طائرات التحالف تأخرت أيضاً في نجدة كوباني لانشغالها بقصف مقرات ومواقع للتنظيم في الأراضي السورية وبضرب مصاف وآبار نفط، لتجفيف منابع تمويل دولة الخلافة ولتسهيل المواجهات في العراق.
صحيح أن هناك تحالفاً دولياً ضد داعش، لكن أهداف المتحالفين متباينة، فرنسا تفضل الساحة السورية، وأميركا تفضل خوض الحرب في العراق، وتركيا ترى أنها يجب أن تكون برية وتستهدف نظام الأسد، والدول العربية منقسمة الولاء بين هذه القوى الكبرى، ولذلك فإن كل واحدة من دول التحالف تخوض "حربها" ضد إرهاب داعش وعينها على مصالحها، وكم سيحتار أي محلل أو مراقب إذا انضم الرئيس الروسي لهذا التحالف، فعندها ستختلط الصورة حتى لايتبين أحد شيئاً من تفاصيلها.
حروب ضد داعش .. لا واحدة
[post-views]
نشر في: 12 أكتوبر, 2014: 09:01 م