TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > فــــارزة: شهداء الثلاثاء

فــــارزة: شهداء الثلاثاء

نشر في: 8 ديسمبر, 2009: 08:21 م

وارد بدر السالم تأتي انفجارات يوم أمس الموزعة بين الكرخ والرصافة بعد يوم واحد من إقرار قانون الإنتخابات بصيغته التوافقية النهائية، وما تركه من انفراج نفسي في المجتمع العراقي الذي كان يتطلع الى مثل هذه التوافقات،
 وصولاً الى انسيابية انتخابية من شأنها أن تعزز المسيرة الديموقراطية التي تسعى اليها الكتل السياسية الجادة. وليس غريباً أن يكون هناك متصيدون في الماء العكر؛ ممن لفظتهم الحياة الجديدة وتركت بينهم وبين ما يسعون اليه فاصلة طويلة من المضي الى تأكيد النوع السياسي المختلف والجديد حتى بتناقضاته وتقاطعاته. وهؤلاء الذين يحاولون زرع الخوف بين الناس وتحريض الشارع بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة وبكل أنواع المتفجرات المتسللة من خارج الحدود. إنما يراهنون على خسارات متتالية ، ليس أقلها ابتعاد الشارع نفسه عن وصاياهم القديمة والإندماج في الحياة الجديدة رغم الألم الكبير الذي يلحق بالعراقيين كل يوم، فالتجربة الديموقراطية الجديدة بمؤسساتها السياسية العاملة تحتاج الى زمنٍ لن يطول لتقف بموازاة قامتها. منذ انفجارات (الأحد) و(الأربعاء) الأسودين وما تركته من توجس بين العامّة بشأن الحالة الأمنية؛ ظلت الحياة تمضي بالطريقة التي يجب أن تسير فيها، وكان كل شيء متوقعاً في استهداف المنشآت الوطنية وعامة الناس وفي أي مكان؛ ويعرف العراقيون أن أصابع الإتهام توجه عادة الى البعثيين ممن أدركتهم حرفة الديموقراطية والى فلول القاعدة المنزوية في حواضنها والى مَن يمد يد العون لهؤلاء أو أولئك من خارج الحدود، والى المال السياسي العفن الذي يوفر مستلزمات مطلوبة في هكذا حالات معروفة. لذلك لن يكون مفاجئاً أن تحدث عمليات استهداف للمدنيين والعزّل بطريقة عشوائية ينفذها انتحاريون صغار موعودين بثمار الجنة! سنقول ان هذا الاختراق الأمني طبيعي، وكنا نتمناه ألا يحصل؛ رغم احاطة العاصمة بغداد بأطواق كونكريتية متتالية ونقاط تفتيش عديدة ومراقبة كاميراتية تعمل على مدار اليوم. لكن وضعاً كالوضع العراقي المعقد بات هذا الأمر فيه ما يشبه أن يكون عادياً؛ فتداخل الألوان أحياناً يسمح للآخر المتربص أن ينفذ من أية عقدة أمنية، والعقد السياسية الحقيقية والمفتعلة تفتح ثغرة هي الأخرى هنا وهناك، وكلما تماسك الوضع السياسي يتماسك الوضع الأمني ويتماسك الشعب وتتماسك الحياة على نحو يفهمه السياسيون قبل غيرهم. لسنا في المدينة الفاضلة حتى لا نرى فيها السواد والألوان الداكنة؛ فالمتغيرات السريعة تحتاج الى نَفَس طويل والى دروس في التجربة وتمارين مختلفة في البقاء المثالي، فإنْ كانت المدن الفاضلة من صنع مخيلة الفلاسفة ، فإنّ هناك مدناً قريبة من هذا التشبيه، لكن بغداد لن تصبح بين ليلة وضحاها من تلك المدن العجيبة التي يقصدها الآخرون، فالآخرون بهذا الوصف هم (الجحيم) كما وصفهم سارتر. وكأنما ثمة مؤامرة كبيرة لطمس مدينة السلام وإحراقها وترويع بشرها وتفتيت وحدتها وتدمير بنيانها وإحراق تاريخها وإغراقها في متاهات العنف والقسوة.أية نجاحات سياسية تعقبها ردود فعل طائشة وهستيرية من أعداء مختلفي الوجوه والسحنات، وما يمكن ربطه في تفجيرات يوم الثلاثاء هو النجاح المقبول في التضامن البرلماني لإقرار قانون الانتخابات، لذلك جاء رد الفعل المتوقع سريعاً استهدف الأبرياء من الناس كما جرت العادة في مثل هذه المحاولات السود. وما شهداء وجرحى يوم أمس الثلاثاء إلا نتاج هذه الهستيرية القذرة التي تستهدف الجميل من الحياة وصفاء الناس وسلامهم وأمنهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram