أحد القرّاء عاتبني لأنني تركت أهوال وأحوال وادي الرافدين، وخصصت هذه الزاوية خلال اليومين الماضيين للحديث عن جحيم سارتر وعذابات كامو، للقارىء الكريم أقول، لقراءة الأحوال، المشابهة لأحوالنا، أدوات كثيرة، منها العودة الى تجارب الشعوب، وما تفرضه هذه التجارب من المقارنات، وما تمنحه لأصحابها من أحقيّة في الشهادة على التاريخ، وكلما حدث حادث ذو طبيعة تاريخية، يعود الكاتب إلى قراءاته أو مشاهداته.
عندما أصبح الجنرال ديغول رئيساً لفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية كان من بين أوائل التوقعات أن يكون العسكر أول مَن يدخل معه الى قصر الإليزيه، لكن المفاجاة كانت في ان جنرال فرنسا أرسل في طلب ثلاثة من كبار كتـّاب باريس، فرانسو مورياك وبول فاليري وأندريه مالرو، فقد كان يؤمن ان مجد فرنسا لا يستعاد بأصحاب الرتب والنياشين، وإنما بإفساح المجال للعقول الكبيرة.
حين وقف مالرو أمام ديغول بادره الأخير بالقول:"المستقبل أولاً"وكان ذلك بالنسبة لمارلو مفاجأة. فهو كان يريد ان يقول للجنرال إنه خاض معارك من أجل العدالة الاجتماعية وذهب مع أندريه جيد الى برلين ليحتج في ساحاتها على إرهاب هتلر لأوروبا، وشكل مع رومان رولان اللجنة العالمية المعادية للفاشية، وقاد طائرة للدفاع عن إسبانيا الجمهورية، وشارك الصينيين ثورتهم، وانه منذ عامه العشرين انطلق خارج فرنسا باحثاً عن المغامرة الإنسانية.
بعد هذا اللقاء بربع قرن يختار ديغول العيش في إحدى قرى الجنوب، هناك يكتب في مذكراته"الى يميني كان وسيظل أندريه مالرو، إن حضور هذا الصديق العبقري يمنحني الشعور بأنني مغطى كليا".
يحيلنا مالرو، الذي دعاه البعض بملهم المقاومة الفرنسية إلى فكرة المثقف الملتزم، الذي ينقض المصلحة الأنانية بمثال أخلاقي مرغوب"على المثقف، كي يكون كما يجب، أن يواجه المجتمع المسيطر ببديل اجتماعي متحرّر من السيطرة، يتيح للإنسان، مهما كان لونه ووضعه ومعتقده، حياة مبرّأة من القمع والحرمان.".
في باريس التي عاد إليها جريحا يسأله ألبير كامو هل سنضطر يوما لأن نختار بين روسيا وأميركا؟ فيجيب بحدة "الاختيار لن يكون إلا بين فرنسا قوية وفرنسا ضعيفة مستباحة مهانة تبحث عمن يحميها."
عزيزي صاحب العتاب الرقيق، اقرأ صحف اليوم فستجد أنّ هناك اكتشافاً جديداً يقدمه لنا رئيس رابطة الشيوخ، وأتمنى عليك ألّا تبحلق في الكلمات تعجبا وتشمتا وتذمرا، نعم نحن لدينا رابطة لشؤون الشيوخ مثلما في العالم هناك رابطة لمشجعي برشلونة التي يسمونها في مصر"الالتراس". يخبرنا رئيس الرابطة من أنّ هناك فرقاً بين مناطق حزام بغداد وبين مناطق أطراف بغداد، وحسب التحليل الستراتيجي للسيد رئيس الرابطة فإن حزام بغداد يعيش بأمان واستقرار، أما المشاكل فهي في مناطق أطراف بغداد وهي الأقرب إلى أماكن التماس مع داعش، ولم ينس رئيس الرابطة أن يزفّ البشرى إلينا من أنّ هناك حائطا قويا يصعب اختراقه من قبل أية جهة تسعى إلى العبث بأمن بغداد..أما أمن وأمان الرمادي فلا يهم، سيتكفل الأصدقاء بذلك ، وماذا عن الموصل ياسيدي؟"إنسَ" وتكريت "انتظر"، وماذا عن الجيش ، ها قد عدتَ ثانية لحديث العبث وصخرة سيزيف!
يقول الجنرال ديغول لوزير ثقافته مالرو بيني وبينك هل هناك ما يستحق الكتابة عنه؟
ويرد مالرو: أتذكر أنّ غاندي قال لي يوما:أفضل للإنسان ان يناضل من ان يخاف..المهم ان نربح الحياة.
في الصفحة الأخيرة من رواية القدر البشري يكتب مالرو على لسان بطلها جيسور:"لابد من تسعة أشهر لصنع إنسان ويكفي يوم واحد لقتله.
ويسأله أندريه جيد لماذا لايوجد أغبياء في كتبك؟ فيجيب مالرو مبتسماً: إنني لا أكتب لكي أُثير الملل في النفوس، أما عن البلهاء فهناك الكثيرون منهم في الحياة.
نعم ياعزيزي القارىء اقرأ صحف اليوم وستجد أننا نعيش عصر الأغبياء بجدارة.
الغاضبون: لماذا نكتب عن الأغبياء؟
[post-views]
نشر في: 13 أكتوبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
رمزي الحيدر
شكراً على هذه الكلمات المتحضرة و التي تبعث نفس الحياة في أرواحنا اليائسة البائسة ، ولكن لا تنسى نحن نعيش في وطن ،مواطينه يعيشون على الخرافة ولا يعرفون من هو غائب طعمة فرمان.!!