محمد عبد القدوس
حسين عبد الرازق زميلنا الصحفي القيادي في حزب التجمع وأحد المؤسسين للحزب ضمن 132 عضوا شاركوا في تأسيسه سنة 1976 م بقيادة خالد محيي الدين.. وكان موجودا عندما كان «التجمع» أقوى معارضة ضد السادات وحكم مبارك في بدايته، ومازال بالحزب الذي ضعف وهزل في السنوات الأخيرة!! وعندما التقيت به كان سؤالي الأول له: لماذا لا تقدم استقالتك احتجاجاً على تردي الأوضاع في حزبكم كما فعل العديد من «الرفاق».
رد قائلاً: حزب التجمع جزء من تاريخي، كنت ضمن مؤسسيه الأوائل الذين يمثلون جميع تيارات اليسار المصري، بدأت فيه من أول السلم عضوا عادياً حتى وصلت إلى أعلى المناصب القيادية به، وأعتقد أنه لا يزال أهم تجمع يساري في مصر حتى الآن.
قلت له: لكن الكثيرين يرون غير ذلك بدليل أنهم استقالوا وشكلوا حزب التحالف الشعبي.
كانت إجابته: كل الذين انشقوا عن التجمع كأفراد أو مجموعات لم يقدموا للحياة السياسية شيئا أفضل مما يقدمه حزبنا بكل العيوب الموجودة فيه!! وزملائى الذين استقالوا وشكلوا حزبا آخر في مارس /آذارسنة 2011 م لم يضيفوا إلى الحياة السياسية شيئاً جديداً، وأعتقد أن هناك ديمقراطية حقيقية في حزبنا هي التي جعلته متماسكا حتى الآن برغم كل الانشقاقات، فالخلافات نحلها بالطرق الديمقراطية وعلى الأقلية الخضوع لرأي الأغلبية، مع العلم أن الأمور لا تسير دوماً بشكل مثالي، وهناك أخطاء وقرارات أنا شخصيا غير موافق لكنني أحترم رأي الأغلبية التي أقرتها.
أزمة الدكتور رفعت السعيد
قلت له: دعني أتحدث معك صراحة، فأزمة حزب التجمع تتمثل أساساً، في رئيسه الدكتور رفعت السعيد، فالكثيرون يرون أنه كان مواليا للرئيس المخلوع الذي أطاحت به الثورة وكان ضمن «ديكور» النظام البائد، وخرج عن أهداف الحزب المنحاز للفقراء فكان انحيازه لمبارك!! بدليل أنه رضي عنه وقام بتعيينه على الدوام في مجلس الشورى.
رد قائلاً: الدكتور رفعت السعيد رقم صعب إذا جاز التعبير في حزب التجمع، ويكاد يكون أكثر شخص تأثيراً في الحزب منذ تأسيسه سنة 1976 إلى جانب خالد محيي الدين، ومع ذلك فهو ليس بصاحب القرار في الحزب، لأن حزبنا يدار بطريقة جماعية من خلال هيئات تتغير في كل مؤتمر، وصحيح أن للدكتور رفعت عددا لا يستهان به من الموالين له داخل الحزب، ولكن كثيراً ما يكون في جانب الأقلية عند التصويت في النهاية، ومع انعقاد المؤتمر العام السابع الذي سيعقد بعد انتخابات مجلس الشعب المقبلة سيترك موقعه، ولن يكون عضوا في أي مستوى قيادي بالحزب.
ومن هذه الإجابة الدبلوماسية عرفت أن محدثي رفض انتقاد الدكتور رفعت السعيد رغم علمي بأنه في قرارة نفسه يحمل له الكثير من الانتقادات!!
هؤلاء تأثرت بهم
سألته عن القيادات الذين تأثر بها خلال حياته السياسية.
رد قائلاً: هناك كثيرون سواء من داخل الحزب أو خارجه وعلى رأسهم الدكتور إبراهيم سعد الدين رحمه الله الذي عملت معه في المعهد العالي للدراسات الاشتراكية في الستينات من القرن العشرين، وتعلمت منه كيف يكون الإنسان مستقيماً وصاحب مبدأ، وفي نفس الوقت يتمتع بالقدرة والمرونة والتعامل مع الواقع، والمرحوم نبيل الهلالي تعلمت منه كيف يكون الإنسان صلباً في المواقف الحرجة، وهو الذي أثار اهتمامي بالقانون وذلك بمرافعاته الشيقة في القضايا السياسية، وأصبحت خبيرا بالقوانين بفضله رغم أنني خريج تجارة قسم العلوم السياسية، والدكتور فؤاد مرسي رحمه الله الذي علمني كيفية الربط بين الاقتصاد والسياسة بشكل عملي واقعي، وزكى مراد رحمه الله والدرس الرئيسي منه الإيمان بالعمل الجبهوي بين مختلف القوى السياسية وكنا نطلق عليه مهندس الجبهة، ولا أنسى المرحوم كمال رفعت وعلاقتي به خاصة جداً، عرفته وأنا طالب صغير وساعدني كثيراً في حياتي العملية، وأستاذي محمد عودة الذي تعلمت منه الكثير، وعلى يديه تعرفت على كوكبة من الزملاء الصحفيين أعتز بصداقتهم.
تجربة رئاستي للأهالي
وحسين عبد الرازق تخرج في كلية التجارة قسم العلوم السياسية سنة 1961 وبدأ حياته الصحفية بجريدة الأخبار في ذات السنة متخصصا في الشؤون الأفريقية، وكانت قلة نادرة من الصحفيين في ذات تخصصه، ولذلك كان يكتب عمودا بانتظام عن شؤون أفريقيا، وتعبير الصحفي عن رأيه في مقال خاص به أمر لا يصل إليه الكاتب عادة إلا بعد سنوات من العمل ببلاط صاحبة الجلالة، لكن صاحبي وصل إليه سريعاً جداً، ثم انتقل إلى جريدة الجمهورية، وتم فصله ضمن أكثر من مئة صحفي فصلتهم لجنة النظام بالاتحاد الاشتراكي في فبراير/شباط سنة 1973، ولكنه عاد إلى عمله قبيل حرب أكتوبر، والجدير بالذكر أنه تم اعتقاله عدة مرات أولها أثناء الانتفاضة الطلابية سنة 1972، ثم في يناير سنة 1977 بعد أحداث 18 و19 يناير، وكذلك اعتقل سنة 1979 ثم في مارس 1981، وكان ضمن المعتقلين في حملة سبتمبر التي شنها الرئيس السادات على معارضيه في ذات العام قبيل اغتياله بعدها بشهر في السادس من أكتوبر وهو في قلب جيشه.
وحسين عبد الرازق بلغ ذروة تألقه الصحفي عند رئاسته تحرير جريدة الأهالي لمدة خمس سنوات بدأت سنة 1982.. يقول في ذلك: الصحف الحزبية عادة فاشلة في العالم كله!! ولذلك كان أمامنا تحدٍ خطير يتمثل في نجاح الأهالي واتفقنا على الأمرين.. أن تكون الجريدة صحيفة «بحق وحقيقي» بكل ما تحمله تلك الكلمة من معنى وليس مجرد نشرة حزبية، ولذلك من الضروري أن تكون مستقلة عن الحزب، فهي فقط تعبر عنه، لكنها ليست ملزمة بنشر كل أخباره، ولتأكيد ذلك تم وضع لائحة تحدد العلاقة بين الصحيفة والحزب، وواجهتنا تحديات كبيرة ،ومما ساعد على نجاحنا أن عددا من قيادات الحزب كانوا أساساً من الصحفيين وعلى رأسهم خالد محيي الدين رئيس الحزب والدكتور رفعت السعيد الأمين العام، والمرحوم لطفي الخولي وغيرهم.
ويضيف قائلاً: وبعد سنوات من العمل الناجح بلغت «الأهالي» فيه ذروة تألقها اضطررت إلى ترك العمل مع «دينامو» تلك الجريدة «صلاح عيسى» بسبب الضغوط الشديدة التي تعرض لها رئيس الحزب خالد محيي الدين من خارج الحزب وداخله أيضًا لإبعادنا عن مواقعنا، فهم يريدون جريدة أقل ثورية،ومن المؤسف أن جهودهم قد نجحت!! لكنها كانت تجربة ثرية بكل المقاييس.
الحبالكبير
سألته عن شريكة العمر أو حبه الكبير فابتسم ابتسامة واسعة تحية لها وقال: اسمها «فريدة عبدالمؤمن النقاش» وهي صحفية مثلي، تزوجنا سنة 1964 يعني من 48 سنة، ومن فضلك امسك الخشب، تعرفت عليها من خلال الندوات الثقافية التي كانت تقام في بيت أستاذي المرحوم محمد عودة بالدقي.. دق قلبي لها وأعجبني فيها ثقافتها الواسعة وقلبها الكبير، فهي صاحبة عاطفة واسعة وحنان عظيم، بالإضافة إلى أنها إنسانة جميلة ورقيقة وقوية في ذات الوقت وكنا نتحدث بلغة واحدة ومازلنا، وعندي منها أجمل ما في حياتي أولادي «رشا» خريجة اقتصاد وعلوم سياسية وتعمل بأحد البنوك و«جاسر» كرس حياته لخدمة حقوق الإنسان وثلاثة أحفاد عندما أراهم أنسى الدنيا ومشاكلها.
نظرة إلى المستقبل
كان خاتمة حواري معه بسؤال عن نظرته إلى المستقبل فقال إن مصر تمر بأخطر مراحلها، حيث يتم حاليًا وضع دستور جديد ،فنحن في مفترق الطرق، فإما أن نحافظ على هوية بلادنا المدنية أو نتجه إلى طريق مجهول، وكذلك نظام الانتخابات، وأرجو أن يكون بالقائمة النسبية غير المشروطة مع حرية تكوين القوائم، وهو ما وافقت عليه الغالبية العظمى من الأحزاب المصرية بما فيها حزب الحرية والعدالة المعبر عن الإخوان المسلمين، وأي نظام آخر غير ذلك سيكون خطراً على بلدنا.
عن "اليوم السابع"