وإن كانت أخطاء صدام حسين كثيرة وفي أولها "عشقه" للحروب على حساب خراب العراق وهدر دماء أبنائه لإشباع غرائزه العدوانية، إلا اني أرى أخطر ما خلفه من بعده هي توابع حملته الايمانية سيئة الصيت. خطوة رعناء استهدفت الروح المدنية للدولة العراقية بالصميم وبالتالي مهدت لسيطرة الإسلام السياسي على الحكم الذي عبد الطريق، بقصد او بدونه، أمام نمو الطائفية ومن ثم قدوم الدواعش براياتهم البغيضة معلنة نشر الموت والخراب والظلام فوق ربع أراضي العراق.
تلك الحملة لم تتوقف اضرارها عند قتل نبض الحياة ببغداد وتحويلها الى مدينة موحشة وموشحة بالسواد بل تغلغلت لعقول جيل صار لا يميز بين ما يضره وينفعه. لا بل صار لا يميز بين القبيح والجميل.
عندما كانت بغداد تصمد بوجه الهجمات الظلامية لم يكن ذلك بفعل اسوارها العالية او جيوشها الجرارة بل بفضل حب أهلها للحياة بما يحملونه من قلوب بيض وعقول مضيئة. من هنا قالوا ان البغدادي فطير القلب. والفطير هنا يعني أبيض مثلما نسمي الرقّي الأبيض فطيرا. ومن بين ما منح بغداد قوة إضافية، أيضا، هو انها كانت مدينة الجميلات. والوجوه الجميلة تطرد الشر. ألم يصف ناصر حكيم جمال حبيبته بالقول "من تكعد من النوم للشر تطرده"؟
من بين الذين ما زالت تعشّش في عقولهم اكذوبة حملة صدام الايمانية عراقي كتب في موقع "صوت العراق" مقالا قبل أيام، هاجم به مسابقة أقامها "تحالف شباب العراق" لاختيار ملكة جمال بغداد وانتهت بتتويج البغدادية ورود العزاوي ملكة. يتساءل "أخونا": "هل هذا العمل ينم عن معايشة حقيقية لآلام وهموم الشعب العراقي أم أنه عدم مبالاة واستهتار واستخفاف بهذه الدماء والآلام؟". وقبلها استنكر بشدة ان تقام هذه المسابقة "والعراق ينزف بدءا من احتلال الموصل وصلاح الدين من قبل الزمر الإرهابية "داعش" مرورا بمجزرة سبايكر". لم يثر قوله استغرابي بقدر ما اشعرني بالشفقة نحوه.
نعم يا أخي ان الجمال ببساطة هو عدو القبح. ولا اظن ان هناك في الدنيا شيئا أقبح من الإرهاب وشروره. حسناً فعل الشباب بنشاطهم الجمالي هذا الذي جاء في وقت تنذر فيه الاخبار من تقدم داعش صوب بغداد. لا سلاح يرهب الدواعش مثل نشر الجمال لأن الارهابي يكره كل جميل. وهل كان الدواعش سينجحون لو ان احتفالات الجمال هذه كانت قد انتشرت في الموصل والفلوجة والرمادي وصلاح الدين وديالى قبل ان تطأها أقدامهم الهمجية؟!
محروسة يا بغداد
[post-views]
نشر في: 14 أكتوبر, 2014: 09:01 م