TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عن جسور الحب والمواعظ

عن جسور الحب والمواعظ

نشر في: 14 أكتوبر, 2014: 09:01 م

و داعش تقف بكل قذارة الدنيا، على أسوار بغداد يقول لي أحدهم وما علاقة اختفاء وتهديم قبة الشيخ الزاهد محمد ابي الجوزي التي على طريق البصرة – ابي الخصيب في قرية عويسيان بمهرجان المربد؟ وأقرأ مقهورا تعليقات لرجال دين ومشايخ من طوائف مختلفة تستقبح فعل الشباب البصري الذين شيدوا معلم (جسر الحب) ويشنع آخرون، "مسؤولون" في الدولة وغيرهم بما قام به أحد أعضاء مجلس المحافظة قبل نحو من سنوات خمس بإقامة حفل غنائي بمناسبة زواج ابنه الوحيد، وقد شنع علي كثيرون حين استقدمت فرقة للخشابة بمناسبة زواج ابني.
في حوار غير حضاري يشنّع أحد أعضاء مجلس محافظة ما، وهو شيخ بعمامة بيضاء فعل عضو آخر لم يقْدِم للمجلس من حاضنة حزب ديني، بقوله أنت تتكلم بروح الخمر التي احتسيتها البارحة، وحين نراجع سيرة الرجلين نجد أنهما لا يختلفان في السوء! فهذا الشيخ منافق متحول من يدي هذا الحزب إلى قدمي تلك الكتلة، وبكل يسر وصفاقة تبعا لما يُمنح من وعود بالمناصب. وذاك بتأريخ مشين في عهد صدام حسين وصفحة غير مشرفة في العهد الجديد، هل لدينا عهد جديد؟ أنا لا أتحدث عن مسؤولين من المريخ. هم بيننا وفي كل محافظة نجد أمثالهم .
ولأن داعش تقف على أسوار بغداد كما يرد في الأخبار نقول : الذي أوصل قذارة هؤلاء إلى هنا هم من جعلوا من حياتنا صورة لأرواحهم الضيقة، الذين أغلقوا نوافذ أحلامنا وسدوا بوجوهنا أبواب التمتع بما اجتمعت عليه الطبيعة من فنون ومآثر وأشكال الجمال من خلال أفعالهم القبيحة في التفرقة والبغضاء والكراهية ..... أما نحن، الذين جُبلنا على الحب والتأمل والتسامح والصفح ونسيان الماضي والوقوف على ما أنتجته البشرية من قيم عليا في المحبة والعشق واللطف، إنما نحن الذين ننتمي بقلب صادق حقيقي إلى الواقفين بالآلاف في ساحة الأمنيات (النافونا) بروما، وهم يلقون بالقطع النقدية الصغيرة متعاقدين آملين صداقة وحبا لا ينقطع. ومن خلالهم، ومعهم ننتمي لملايين العشاق الذين وقفوا على جسر المحبة بباريس الضوء، وهم يعلقون أقفالهم ويلقون بمفاتيحها إلى البحر، متعاهدين على العشق والوفاء والمحبة... لبعضهم ولمثلهم وامثالهم، نحن ننتمي ونشبه ونتشبه بالعشاق والمحبين في كل امصار العالم المتحضر. نتعاهد على أن لا تكون للبغضاء أمكنة في حياتنا.
إني لأعجب حقا!! وقد ملأت الدماء شوارعنا وساحاتنا وبيوتنا، وقد شيعنا مئات الآلاف من شبابنا واطفالنا ونسائنا إلى بطون المقابر. هل نحن على جادة الصواب الإلهي ام لا؟ ترى هل يغضب الله من قبلة يلقمها عاشق محبٌّ لحبيبته، هل يغضب لعناق حبيب لحبيبته وهو يشدها شوقا وافتتانا وولهاً .. ويستريح لمشهد الدم الذي يستبيحه قاتل غاضب له؟ هل يضحك وتبين نواجذه -كما ورد في الحديث عند المتشددين- لجز رأس امرأة من سنجار، وقد تدلت جديلتها الشقراء إلى الارض ساحة الضوء حتى نهاية المشهد في الصورة القاتمة؟
قرأت، وقد يقرأ غيري وكثيرون أنَّ احد المشايخ شنّع على اهل البصرة فعلهم في إقامة جسر للمحبة، يقف عنده العشاق والمحبون في المدينة الجنوبية الآمنة يتعاهدون على المحبة والوفاء والاخلاص لبعضهما . الشيخ الذي جعل هذا من اعمال الكفر، ودعا إلى العدول عن أفعال كهذه، أقول يا شيخنا، هلا حدثتنا عن افعال أكثر جمالا ورضا لله من هذا؟ حدثنا مثلا عن الفساد وسرقة المال الحكومي، هلا حدثتنا عن النهب والقتل والسلب والاختطاف في شوارع المدينة، هلا حدثتنا عن عجز الحكومة عن إكمال مشاريعها في الكهرباء والخدمات، هلا حدثتنا عن صراعات الطوائف والعشائر وهم يستخدمون البي كي سي في قتل بعضهم؟ هلا حدثتنا عن إخفاقنا في مواجهة داعش وقد نخر الفساد مؤسستنا العسكرية، هلا حدثتنا عن المليارات التي أنفقتها الحكومة وهي تستورد لنا جهازاً لا يكتشف إلا العطر وعلب الماكياج ومنظف الصحون؟ هلا حدثتنا عن تراجعنا في الصحة والتعليم والقضاء وووو قبل موعظتك هذه ؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. مجيد الاسدي

    ما أروع ما تسطره يا صديقي الشاعر..كم هي حقيقية وموجعة كلماتك .ولكن ما العمل وقد أصبحت عجلة الحياة بأيدي من لا يحترم الحياة.لا أدري من قال -وهو على حق - ما نحن الا وحوش غير أن العقل يخدعنا بأننا بشر! سلمت وسلم حرفك الجريء

  2. محمد توفيق

    نحن نعرف من تقصد بصاحب العمامة البيضاء هذا الذي تقلب من حزب الى آخر في هذا الزمان البائس ، وقبلها كان من رفاق الزيتوني ، وهو من فرض اغلاق محلات الخمر في شارع ملهى النصر سابقاً بعد رحيل شلتاغ، لكنها صارت تباع من جوة العباية. فلا الفضيلة سادت ولا الخمرة انق

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram