TOP

جريدة المدى > سينما > فيلم "بلانكانييفيس".. انثيالات السينما الصامتة

فيلم "بلانكانييفيس".. انثيالات السينما الصامتة

نشر في: 15 أكتوبر, 2014: 09:01 م

من جمال الصورة السينمائية الصامتة وسحرها الأخاذ المبتهج بمتعة حكايا الخيال ،من اداءات تمثيلية مُبصرة لنشأتها الأولى بإحساس مُتأنق يرتفع فيلم بلانكانييفيس Blancanieves (2012) شيئا فشيئا الى مستوى فنتازي عالٍ بفضل الحس التشكيلي المميز للمخرج الإسباني ب

من جمال الصورة السينمائية الصامتة وسحرها الأخاذ المبتهج بمتعة حكايا الخيال ،من اداءات تمثيلية مُبصرة لنشأتها الأولى بإحساس مُتأنق يرتفع فيلم بلانكانييفيس Blancanieves (2012) شيئا فشيئا الى مستوى فنتازي عالٍ بفضل الحس التشكيلي المميز للمخرج الإسباني بابلو بيرغر راسما لوحة واقعية معبرة لهمٍ إنساني أزلي. مما لاشك فيه ان فيلم الفنان للمخرج ميشيل هازانافيزيوس كان نوستالجيا مُبهرة لتحية سينما هوليوود الصامتة.

فيما كان لدى فيلم بلانكانييفيس حنين كبير للسينما الأوروبية الصامتة ،ولما كان الفن عموما هو معالجة لإعادة تشكيل معالم الجزئيات الحياتية والتي لولاها لكان لوقعها المتكرر شعور مُمل في نفوس المشاهدين ،سعت السينما منذ مهدها الأول بتكوينها الصامت نحو إبراز هذه التفاصيل ،لقد هدف المخرج والكاتب بابلو بيرغر جاهدا من اجل تطوير النواحي الجمالية في فيلمه مُشكلا لوحات بصرية فذة من خلال الاستعانة بقواعد السينما الصامتة لاسيما التعبيرية الألمانية التي هي صور تنفتح فيها الحياة بنظرة ذاتية للعالم ،منطلقة من رؤية تفكيكية للمنظور والأضواء والأشكال ،وفيها ينسجم الممثلون بأدائهم وأزيائهم مع غرابة العوالم المحيطة .بالاستناد الى حكاية خيالية هي (بياض الثلج والأقزام السبعة) للأخوين غريم يمُد بيرغر صفحات قصته نحو ابرز ملامح التراث الإسباني المعاصر حيث مصارعة الثيران ورقصة الفلامنكو ،موقعا على حدود الزمان في عشرينات القرن الماضي واطار المكان اشبيلية موطن هذا الإرث الأصيل .انطونيو فيلالتا (دانيل خمينيث كاتشو) مصارع ثيران مشهور يسقط مثخناً بالجراح بعد ان هاجمه بعنف اخر الثيران الستة التي صارعها مستغلا لحظة غفلت فيها عينه بسبب وميض فلاش كاميرا احد المصورين لينقل للمستشفى بذات الوقت الذي تضع زوجته الجميلة وراقصة الفلامنكو كارمن (إنما كويستا) طفلتها لتموت بعدها بسبب تعسر الولادة ،يصاب الزوج بالشلل تاركا رعاية كارمن الصغيرة لجدتها محملا إياها سبب وفاة زوجته الحبيبة بعد مغادرته المستشفى لقصره الفخم مصحوبا بالممرضة إنكارنا (ماريبيل فيردو) المدفوعة بطمعها وأفكارها الشريرة في السيطرة على ثروته وأملاكه لتنجح في كسب وده والزواج منه .ما كان القدر ليكون رحيما حين وضع الطفلة كارمن بعد وفاة الجدة تحت سطوة زوجة أبيها الحقود لتعاملها بقسوة شديدة حيث قبو القصر سكنها والأعمال المنزلية الشاقة وظيفتها ،موجهة تحذيراً لها بعدم الصعود الى الطابق الثاني من القصر ،لكن ديكها المشاكس والمُحبب جدا على قلبها يهرب منها في إحدى المرات ليتسلل نحو الغرف العليا ،تُقربها الحياة مرة أخرى من أبيها الذي صار أسير كرسيه المدولب وحزنه الأزلي وعنف زوجته البغيضة ،فرحة صغيرة مُختلسة جمعت الأب وابنته رسمت فيها كارمن ابتسامة وضحكة على وجهه خصوصا بأدائها لرقصة الفلامنكو أو عندما علمها مهارات مصارعة الثيران ،تستشعر (إنكارنا) السادية والمازوشية في علاقتها الجنسية مع سائقها خطر هذا التقارب فتعمل على ترهيب الصغيرة بقتل ديكها وإطعامها له .تكبر كارمن وتغدو شابة جميلة (ماكارينا غارثيا) ،لكن زوجة الأب كانت دائما تسبق بخطوة ،تقرر قتل الأب وبعدها يأتي الدور على الابنة حين يخنقها بعيدا في الغابة وسط النهر السائق عشيق (إنكارنا) .على جرف النهر في الجانب الأخر يجدها قزم وهو واحد من فرقة أقزام متنقلة تقدم عروضا لمصارعة الثيران بإطار فكاهي ،ينقذها وحين يسألونها عن اسمها وعائلتها لم تعرف شيئا ،كانت قد فقدت الذاكرة ،لكنها لم تفقد مهارات الماتادور التي شكلت مفاجأتها للأقزام سعادة كبيرة قرروا من خلالها تسميتها بسنو وايت (بلانكانييفيس) تيمناً بالقصة المشهورة ،تجوب الفتاة المدن وتطبق شهرتها الآفاق ،ومع عقد احتكار أبدي من قبل احد الوكلاء الجشعين مستغلا عدم معرفتها القراءة والكتابة يستعد الجمهور لمشاهدة المرأة الأولى التي تصارع الثيران على نفس الحلبة الكبيرة في اشبيلية حيث شهدت أيام أبيها الخوالي ،تمارس الصدفة دورها مرة أخرى حين تكتشف زوجة الأب كيف أصبحت كارمن ماتادورا تغطي صورها صفحات المجلات والصحف ،تذهب المرأة الغارقة بسواد روحها وملابسها للحلبة ،تتحين الفرصة لقتل كارمن حين تتمكن من ذلك بتفاحة مسمومة ترميها لها تهنئة بالنصر لتشكل تلك الواقعة نهاية إنكارنا وكارمن التي جعلها الوكيل الخبيث أميرة نائمة تتلقى يوميا مقابل اجر عشرات القُبلات بانتظار واحدة من عاشق حقيقي تُعيد اليها رمق الحياة من جديد .لم يكن (سنو وايت بيرغر) غير نص سينمائي عن فتاة مميزة بنقائها وسط عوالم يتجسد فيها الشر خالصا والخير صافيا في خضم عراك أزلي ولذلك كانت الصورة ابيض واسود ،ورغم انه استند على حكاية خيالية كلاسيكية تكون فيها النهاية سعيدة حتما ،الا ان بابلو اختار ختاما بمزاج فنتازي في مسعى لتكريس قيمة الصورة وعمق رؤيتها في تحفيز الخيال ومزجه بالواقع فكانت تلك الدمعة الوحيدة النازلة من عين كارمن ربما رمزا لمحنة ومعاناة البراءة والجمال في العالم .انفق المخرج الكثير من الوقت لتشكيل القصة عوضاً عن روايتها ،مستغرقا دقائق عديدة في تطوير الشخصيات ،فتواجد بياض الثلج والأقزام لم تبرز معالمه الا في الثلث الأخير من الفيلم والذي ظهرت فيه لمحات من سندريلا ومن الجميلة النائمة حتى بات غريبا تموضع بيرغر خلف حكاية الأخوين غريم بدل ان يبذل القليل من الفكر والخيال لتطوير السيناريو  بعيدا عنها خصوصا انه اظهر جليا عدم اكتراثه بالأصل المقتبس في النهاية المفتوحة والحزينة نوعا ما .فيلم بلانكانييفيس ثيمات بصرية تزدهر فيها الصورة ضمن حافات الإطار العتيق ،مرويات من شعوذة الخيال حفرت أخدودها في جبين الزمن ،فكاهات البراءة الأولى لشريط 16 ملم احتضن السينما غداة تبرعُمها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

السينما كفن كافكاوي

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram