TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ســـلامـاً يا بغـــــداد

ســـلامـاً يا بغـــــداد

نشر في: 15 أكتوبر, 2014: 09:01 م

سلاماً يا بغداد، أيتها المدينة المغلوبة على أمرها، المخدوعة حين اعتقدت أنّ حكّامها سينظرون إليها باعتبارها سيدة المدن، فيما هم مصرّون على أن تعيش جارية في بلاط دول الجوار!
سلاماً يا أم العراقيين وأنت تعيشين في ظل مسؤولين يجعلون من الحق جريمة، يَعدُون ولا يوفون، السياسة في عرفهم سعي محموم وراء الأطماع وتعاون مع الإثم وتحالف ضد الصدق، ثروتهم الضلالة، يحاربون بكل‎ ما أُوتوا من أجهزة قمع للدفاع عن قيم التخلف والظلام والطائفية.
سلاماً يا بغداد وأنتِ تنظرين كل يوم إلى وجوه ساسة نامت ضمائرهم وشبعت نوماً، سياسيون بعقول متحجّرة من الماضي، منفصلون عن أحلامك، يفتحون أبواب خزائنك أمام السُّرّاق والمزوّرين والانتهازيين.
سلاماً أيتها المدينة يا شبيهتنا في الأسى، اليوم أنتِ وأبناؤك وجوهكم شاحبة ومتعبة، مسكونة بتجاعيد الخوف من المستقبل، والسبب سياسيّو الصدفة الذين سرقوا أحلامك وأحلامنا، وجعلوا منك رهينة بيد مجموعة من الانتهازيين والمتسلّقين والقافزين فوق سطح التغيير بمنتهى الخفّة.
سلاماً يا أُم الحضارات فقد كنتِ مثلنا مخدوعة حين تصورت أنّ الديمقراطية ستقدّم إليك ساسة يبدعون في الإعمار وإدارة شؤون البلاد أكثر من إبداعهم في فنون السرقة واللعب على الحبال، كنتِ مثلنا مخدوعة حين اعتقدتِ أنّ الذين جاءوا باسم المحرومين والمظلومين لن يتحوّلوا بين ليلة وضحاها إلى أغنى الأغنياء، صَدَّعوا رؤوسنا بخطب عن دولة العدل فيما هم ينتهكون العدالة في وضح النهار!
سلاماً يا بغداد وأنتِ تبتسمين لأبنائك وهم يخرجون إلى الحياة برغم كل المصائب مصرّين على القفز إلى المستقبل وليس إلى الموت.
سلاماً يا أم العراق وأنتِ ترفعين كل يوم شعار"دعوا أبنائي يعيشوا".. فقد كنتِ وما زلتِ وستبقين ضد أُمراء الحروب، ضدهم جميعا، مهما كانت مواقفهم ومبرراتهم.
سلاماً يا بغداد ستبقين معنا ونبقى معك، سنحميك وتحمينا، نمنع عنك الموت وتمنعين عنا الأسى، صباح الحياة يا أم العراق، ستبقين عصيّة على جلّاديك، المصرّين على فرض العتمة والخراب وتحويل العراق إلى قبر جماعي.
سلاماً يا مدينتي وأنتِ تتّشحين بالسواد والصمت، لكنك ترفضين أن تنزلقي نحو عصور الظلام والعتمة! وتصرّين على أن تتنافس فيك الأحلام والآمال.
سلاماً يا أم العراق وأنتِ تعبقين بألوان جواد سليم وعطا صبري وفرج عبو وفائق حسن وفتاح الترك، سلاماً يا مدينةً بألوان من قوس قزح، تغنّى بها ولها عبد الوهاب وأُم كلثوم وفريد الأطرش وفائزة أحمد وتولـَّه فيها عشقاً القبانجي وسليمة مراد وزكية جورج،ولم يكن يدور بخُلد هؤلاء أن يصرّ البعض على أن يجعلوا منكِ داراً للآخرة بعد أن كنتِ حاضرةً للدنيا.
سلاماً يا مدينتي فقد توحّدنا فيك، ذُبنا في شوارعك وحيطان بيوت الحيدرخانة والأعظمية والشعلة والكاظمية، فقد صرتِ اسمنا وعنواننا والمهنة التي لا نجيد سواها.
سلاماً يا مدينتي، ستنتصرين حتماً وننتصر معك على كل منتفعي السياسة وأمراء الحروب وجرذان (داعش)، لأننا مصرّون على أن نتقاسم معك رغيف الحياة.
سلاماً يا مدينتي وأنتِ تقدّمين كل يوم قرابين من أبنائك ضحيةً لعقول متحجّرة.
سلاماً يا بغداد، كلانا سينتصر في النهاية، فبغداد الكرملي وغائب طعمة فرمان والكاظمي والجادرجي وكوركيس عواد وسليمة مراد وساسون حسقيل والبياتي لن تتحول إلى إمارة من إمارات الظلام، وسنظلّ نغنّي مع القبانجي:
سلامٌ على دار السلام جزيلُ وعتبى على أنّ العتاب طويلُ
أبغداد لا أهوى سواك مدينةً ومالي عن أُمّ العـــــــــراق بديلُ
رعى الله صحبي في الرصافة أنهم بقلبــي على بُعدِ الديار نزولُ
وفي الكرخ أهلٌ لا أودّ فراقهم ولا شاقني عنهم هوىً وخليلُ
فيا أبناء مدينتي الطيبين، أنصتوا إلى خفقات قلوبكم، ففي النهاية أنتم المنتصرون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 6

  1. د عادل على

    بغداد كلمه كورديه او فارسيه -باغ تعنى البستان او بستان وهدا يطابق الواقع الدى يقول ان يغداد هى بستان بين دجله والفرات والضواحى الشرقيه لنهر دجله---المهمه الاصعب هى كشف معنى داد--الداد يعطى مرة معنى العداله ومره اخرى الهديه-الدين يقولون هديه يعنون بان بغد

  2. محمد توفيق

    البصرة تشارك بغداد نفس الأنين ، وذات الشكوى من إثم إحتلال المعدان لها. بربك كم معيدي من بين يقف على أعلى قمة في السلطة يعرف شيئاً ما عن الكرملي وغائب طعمة فرمان والكاظمي والجادرجي وكوركيس عواد وسليمة مراد وساسون حسقيل والبياتي والسياب ومحمود البريكان؟ ألي

  3. الشمري فاروق

    كم جميل انت ايها العزيز.... تمنحنا الامل رغم قتامة الطريق وسواد الواقع وفقدان رجال الدوله ومشروعهم لبناء دولة المستقبل... ضلام حالك يلم بالامال العريضه والمستقبل الجميل الذي نتوقعه ونأمله.... مع ساسة الصدفه وانصاف الاميين وسراق المال العام وسراق قوت ا

  4. ياسين عبد الحافظ

    لاتخافوا يارجال,فتلتبس عليكم الامور ,تخاطبون الحجارة وتنسون الانسان, لاتخافوا, فالمدن كل المدن الساحلية والجبلية والمحصنة مثل طروادة وروما وموسكو وباريس سقطت يوما,لاتخافوا,ستقولون: لكن بغداد تسقط اكثر من غيرها بكثير!! لاتخافوا ,السبب بسيط فهى على الطريق

  5. داخل السومري

    وانا اقرأ ما كتبت في مقالك الرائع هذا لم اتمالك نفسي من البكاء،البكاء ليس على بغداد الحبيبه فقط ولاكن بكائي اطال ضياع تراث وادي الرافدين والاستهانة به من قبل سياسيوا الصدفه، كما اسميتهم،الذين يعتبرون تراث سومر وأكد وبابل وآشور تراث وثني يجب ازاحته من الوج

  6. داخل السومري

    رد على تعليق السيد محمد توفيق:يا سيد محمد توفيق كما افهم من تعليقك انك اردت ان توصف حكام الصدفه في بغداد بأسوأ الاوصاف وانا معك في هذا، والظاهر انك اخترت ما تسميهم بالمعدان كأسوأ مثال لديك، وهؤلاء المعدان هم اشرف من شريف حكام الصدفه.هؤلاء المعدان هم بقايا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram