لم يكن الفنان الهندوراسي فيديريكو زوسا يفكر بأنه سيكون شيئاً مميزاً حتى اكتشف الكتب الهزلية و الروايات التصويرية، و كان في صباه يرسم بشكل أفضل من معظم زملائه، على حد قوله. و عندئذٍ فكر بأنه يستطيع أن يفعل ما ليس بمقدور أحد أن يفعله. و لم يكن لديه، أي
لم يكن الفنان الهندوراسي فيديريكو زوسا يفكر بأنه سيكون شيئاً مميزاً حتى اكتشف الكتب الهزلية و الروايات التصويرية، و كان في صباه يرسم بشكل أفضل من معظم زملائه، على حد قوله. و عندئذٍ فكر بأنه يستطيع أن يفعل ما ليس بمقدور أحد أن يفعله. و لم يكن لديه، أيضاً، و هو في سن 18 عام 1998 أي اتجاه لِما يريد أو أية فكرة عما يمكن له أن يقوم به : هل ينبغي له أن يكون مصمماً تصويرياً، رساماً؟ كيف بوسع الفنان أن يكوّن مالاً؟ و غير ذلك من الأسئلة التي كانت تراوده و تراود أسرته، حتى أدرك ما يريد، و ذهب إلى مدرسة للفن في لندن، كما قال لميليسا ليكليزيو التي أجرت هذا الحوار معه :
س / كيف و متى بدأتَ تُنتج فناً؟
ج / بدأت أرسم بكثافة و أنا في سن 13 أو 14، مستلهماً الكتب الهزلية في ذلك. و كانت أول لوحة لي، على كل حال، و أنا في سن 18 تقريباً. و لم أكن قد قررت بعدُ إن كنت سأكون محامياً أم رساماً. و في عام 2000، كنت في لندن أدرس الرسم كل الوقت. و تخرجت عام 2003 بدرجة بكلوريوس في الفنون الجميلة، و حصلت على الماجستير أيضاً عام 2005.
س / وكيف حققت تقدماً في عملك الفني مع مرور الوقت؟
ج / كنت قليل الكلام بشأن القيام بالرسم خلال وجودي بمدرسة الفن مركّزاً بدلاً من ذلك على عمل التركيب installation. فالرسم، حين ذهبت إلى المدرسة المذكورة، كان يحتاج كما يبدو إلى قدر من التبرير التصوّري، و كان هناك الكثير من الأمور المثيرة الأخرى التي يمكن للمرء القيام بها كفنان إلى حد أني شعرتُ بأنني أستطيع فعلها من دونه. و الآن ليس لدي ذلك التحفظ بشأن الرسم، و أصبح العمود الفقري لممارستي. و كل ما أفعله يأتي من الرسم. و بمرور الوقت، أتعلم الثقة بمواهبي أكثر. و أعتقد بأن الواحد في مدرسة الفن يُدرَّب على التفكير بكل تفصيل، لكن عملي كان على الدوام " غير مصقول " كثيراً بالنسبة لتلك المقاربة الشكلية، لأن لدي ميلاً للأمور الكثيرة التفكير. و هناك خط ناعم بين العمل التحليلي على نحوٍ فعال و التحليل الزائد. و كلما قلّ تفكيري بشيءٍ ما، كان ذلك أفضل.
س / ما هي موضوعاتك المفضلة؟
ج / لقد كان مفهوم العنف، سواء أكان سياسياً، أم اجتماعياً، أم سايكولوجياً، الطابع الباطني الكثير التردد في عملي. و قد تطور هذا بمرور الوقت : فأنا لم أقرر ذلك عن وعي. و أنا فقط أحافظ على العودة إليه. و على كل حال، فإنه غالباً ما يؤدي بي إلى خلق عملٍ يمكن نبذه بسهولة كشيء مكرر cliché أو صبياني، لكنه وثيق الصلة للغاية بمفاهيمنا كبشر ــ على سبيل المثال حين نتكلم على بُنى السلطة، و كذلك حين نكوِّن مفاهيمنا كأفراد مستقلين، أو نُخب سياسية، أو مخلوقات متأثرة بدوافع لاشعورية. و بالتالي فإنه ينفذ في أوجهٍ كثيرة من ثقافتنا، مثل الترفيه و الاستهلاك، و السياسة. و حتى حين نتكلم على الفن بكونه تجربة مطهِّرة مثلاً، فإن هناك شيئاً ما عدائياً بشكل متأصل فيما يتعلق به.
س / هل يُلهمك بلدك هندوراس في عملك الفني؟ و أية علاقة تربطك به؟
ج / أعتقد بأن هندوراس حاضر في نتاجي من نواحٍ عديدة. فأنا أستخدمه كمادة مصدرية للكثير من تخيلاتي بالإضافة للأفكار التي لديّ عن الفن، و المجتمع، و السياسة. و مشهد هندوراس حاضر في عملي كتجربة مادية و كتصورٍ معاً. فهو مثال لما يُدعى بالدولة الفاشلة، و قد اخترقه الظلم الاجتماعي، و الفقر، و العنف، لكنه أيضا يتضمن فكرة الوطن و الأمل. فكيف تجد تسويةً بين هذه المفاهيم المتعادية؟ ذلك عنصر حاسم في عملي الفني. فعلى مستوى الملاحظة الأكثر عمليةً، كنت أرى هندوراس على الدوام مكاناً أود أن أطوّر فيه فضاءً للعرض، و هو ما فعلته لفترة، لكنني لم أجد في الواقع الطريقة الملائمة للشروع به بطريقة يمكن أن يكون لها تأثير حقيقي.
س / لاحظتُ أن بعض لوحاتك قاتمة تماماً ــ في كلٍ من الموضوعة و التلوين ــ و البعض الآخر يُظهر انفجاراً من الألوان البراقة. هل يمكنك أن تخبرني قليلاً عن هذا التباين اللافت للنظر؟
ج / إنني أستمتع باللون و اللمعان، لكن ربما من الواجب التعامل، مرةً أخرى، مع تجربة مشهدٍ مثل هندوراس. فلدى الواحد منا أكثر الألوان بريقاً على خلفية أحداث شاذة و غريبة في الغالب يراها في كل يوم. كما أن الألوان الحيوية المبهرجة في هندوراس شعبية للغاية، خاصةً الألوان الصناعية، مثل القرنفلي البرّاق أو الأخضر الغَرَوي slime. و هذا أمر مهم لأنه حتى إذا كان موضوع الرسم مكدّراً، فإن الألوان يمكنها أن تعوّض هذه العلاقة. فالألوان الأكثر قتامةً طريقة أكثر حرفيةً، و أسهل، لوصف الأشياء. فهي تجعل الأشياء أبسط. لكن كليهما يتعاملان مع القضايا نفسها، كما أرى.
س / إنني متحيرة من الحضور المتكرر للطائرات و الهيليكوبترات في رسومك. هل لذلك أي معنى رمزي هنا؟
ج / وجود الهيليكوبترات و الطائرات الأخرى شيء تتعلمينه للعيش في أماكن مثل هندوراس. فالطائرات و الهيليكوبترات جزء من المشهد، لكنها في الوقت نفسه تتّسم بخاصية شاذة جداً بالنسبة لي، كما لو أنها هذه الأشياء الغريبة الواردة في قصة الخيال العلمي. مثلاً، فكرة الأزيز القاتل، الطائرات التي يستخدمها أوباما ليقصف و يقتل في الشرق الأوسط هي شيء غريب تماماً. و فكرة الطائرة من دون طيار التي يتحكمون بها و يستخدمونها عن بعد لمحو أعداء الدولة، مأخوذة مباشرة من أفلام خيال علمي مثل " Terminator 2 " أو " The Matrix ". و الذي يحيرني أن الناس لا تُذهلهم دقة الخيال العلمي. فالهيليكوبترات و الطائرات بالنسبة لي هي ربما ما كانت تمثله القطارات للفنان الإيطالي دي تشيريكو ( 1888 ــ 1978 ) و بعض المستقبليين، وسائط للخطر و التحرر معاً. فنحن نحلم بالهرب في واحدة منها، لكننا نرتعب في الأغلب منها.
عن: The Cultural Trip
جميع التعليقات 1
captain
لاكنها بلادي لا اضحك من القلب ولا ابكي من القلب ولا اموت من لقلب الا فيها قالها مظفر النواب وابدع والان نقرا لكنه الوطن والامل ليسمع العراقيوووووووووون