TOP

جريدة المدى > غير مصنف > مقالتان نادرتان

مقالتان نادرتان

نشر في: 9 ديسمبر, 2009: 04:25 م

ذكريات مع السياب فيصل السامر الذكريات عن الشاعر السياب – رحمه الله – كثيرة ومتزاحمة وتعود الى وقت مبكر جدا (اوائل الاربعينيات)، لكنها ليست جميعها متساوية الاهمية وذات قيمة بالمقدار نفسه، ومن ثم- وفي حديث خاطف كهذا- لابد لي من ان اختار منها ما يلقي على جوانب من سيرة شاعرنا.
rnلابد لي هنا ان اشير بصورة خاصة الى حادثة ادبية اثارت كثيرا من الاهتمام وهي حادثة ضياع ملحمة السياب (الروح والجسد) ومصيرها وقد سبق ان ادليت مرة بحديث في هذا الصدد قبل سنوات، كنت طالبا في السنة النهائية من دراستي الجامعية في القاهرة. وقد عدت الى الوطن في صيف 1946 فحملني السياب ملحمته هذه في مسودة كتبها بخط يده لاحملها بدوري الى الشاعر علي محمود طه المهندس رحمه الله، كنت اعرف الشاعر المهندس، وكان اول لقاء لي به مع الصديق الشاعر خالد الشواف في صيف سنة 1945 بالقاهرة، وقد حملت المسودة فعلا، زرت الشاعر في شقته بشارع سليمان باشا فوق مقهى (الامريكيين). وبعد حديث شائق عن حياته وعن اعماله الشعرية قدمت له (الروح والجسد) ورجوته ان يقرأها ويبدي ملاحظاته فيها، لاعيدها الى السياب فوعد بذلك، وكان السياب يراسلني متسائلا عن مصير الملحمة فكنت اضطر الى معاودة زيارة المهندس ملحا عليه في الفراغ منها. ومضت اسابيع تحولت الى اشهر دون جدوى، واخيرا اعلن لي خجلا انه اضاع الملحمة، واعتذر بالغ عازب يعيش وحده تاركا امر ترتيب شقته (بما في ذلك اوراقه وكتبه) لسيدة تقوم على خدمته والعناية بامر منزله، ولعلها اضاعت الاوراق او اعدمتها، لعلعها تظهر في يوم من الايام بين اكداس المسودات والكتب التي تحفل بها شقته، وقد انهيت الخبر الى السياب في حينه، ثم التقينا في صيف 1947 فاكدت له ان الشاعر المهندس يئس من العثور على مسودة الملحمة والصديق الشاعر خالد الشواف مطلع على تفاصيل الموضوع.. لقد قيل في وقت من الاوقات ان الشاعر الكبير علي محمود طه المهندس قد يكون افاد من ملحمة (الروح والجسد) في اعماله الشعرية، لكنني اود ان اوضح هنا للحقيقة والتاريخ، ان المهندس لم يفد اية فائدة من هذه الملحمة بل – على العكس- كان قد اصدر قبل اطلاعه على ملحمة السياب بوقت طويل ديوانه (ارواح واشباح) وكان المرحوم الشاعر السياب متأثرا ومعجبا به، ولم نجد للمهندس بعد ذلك اي عمل شعري بعد تسلمه الملحمة يدل على انه افاد منها او استثمرها في قليل او كثير.. وترتبط الذكرى الثانية ذات الاهمية والدلالة بديوان السياب الاول (ازهار ذابلة) كان الشاعر الناشئ يطمح الى ان يرى بواكير نتاجه الشعري تظهر الى النور في ديوان، وكان طالبا بدار المعلمين العالية (كلية التربية فيما بعد)، وقد عاد اليها بعد ان كان قد فصل مع لفيف من زملائه لاسباب سياسية، ولم يكن يملك من المال ما يستطيع ان ينفقه على مثل هذا المشروع المحبب اليه، وقد تدبرنا الامر انا وبعض الاخوة الذين يدرسون في القاهرة وطبع ديوانه الاول (ازهار ذابلة) فعلا بكلفة زهيدة اظن انها لم تتجاوز الاربعين دينارا في مطبعة الكرنك بالفجالة (القاهرة) ووصل الديوان الصغير (99 صفحة من القطع المتوسط)، في اواخر عام 1947 وكان السياب يكاد يطير من الفرح، ومازلت اتذكر حماسته المفرطة وغبطته الفائقة وهو يكتب اهداء احدى النسخ الاولى لي - والتي مازلت احتفظ بها لحسن الحظ- على هذا النحو: الى اخي الحبيب الاستاذ فيصل السامر. ذكرى اخوتنا العميقة في ظل (ابولو) من المخلص (التوقيع) 14-12-1947 ان اسم (ابولو) يقترن عندي بذكريات جميلة عن السياب، صحيح ان هذا الاسم يرمز الى اله عند الاغريق لكنه – وهنا التورية – يشير الى منتدى بهذا الاسم كان يقع في ساحة الوثبة (قرب فندق الجامعة العربية انذاك)، وكنا نرتاده – هو وانا- في عامي 1947- 1948، بين حين وحين، وفي هذا المنتدى وفي داري بالاعظمية، كان السياب قد قرأ علي كل اعماله الشعرية القديمة والجديدة التي ظهرت في (ازهار ذابلة) و(اعاصير) وفي دواوينه الاخرى، كما قرأ علي مشاريع اعمال شعرية في طور الاعداد واخرى اعد مسوداتها مثل (المومس العمياء) وغيرها. كانت تلك الايام تشهد ارهاصات (وثبة كانون 1948)، وكنت مدرسا للتاريخ في دار المعلمين الابتدائية بالاعظمية (وهي سنتي الاولى في التدريس)، وكان السياب طالبا في السنة النهائية بدار المعلمين العالية، في هذه الفترة اتجه الشاعر الى الشعر السياسي الثوري الذي سمعته منه قبل الوثبة وخلال ايامها الدامية المجيدة في ساحات شارع الرشيد وفي مواكب تشييع الشهداء ومسيرات الحشود الثائرة التي اسقطت معاهدة (بورتسموث). ومازلت اتذكر بصفاء ووضوح زياراته المتكررة المتوالية (في السفينة قرب المقبرة) في العام الدراسي 1947-1948. كانت تلك الامسيات ثقافية بمعنى الكلمة وكثيرا ما كان يحضرها معنا الاستاذ خالد الشواف، الذي كانت دار اسرته بشارع عمر بن عبدالعزيز مثابة لنا ايضا، كنا شبانا ثائرين متحمسين متفائلين، بمستقبل هذا الشعب، وكنا نقرأ كثيرا ونفكر كثيرا ونحس ونشعر كثيرا، امر واحد اوّد ان اؤكده هنا هو ان الاشهر القلائل التي سبقت الوثبة، شهدت تحولات في شعر السياب، ففي الوقت الذي كان ديوان (ازهار ذابلة) ديوانا يكاد يكون مكر

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

الكشف عن طبيعة إصابة شتيغن ومدة غيابه
غير مصنف

الكشف عن طبيعة إصابة شتيغن ومدة غيابه

رياضة/ المدى كشفت وسائل إعلام اسبانية، اليوم الاثنين، عن طبيعة إصابة حارس برشلونة، تير شتيغن ومدة غيابه عن الملاعب بعد تعرضه للإصابة امس خلال مواجهة فياريال في الليغا. وذكرت صحيفة "سبورت" أن "تير شتيغن أجرى فحوصات...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram