د. ناجي حسن التقيت الدكتور فيصل السامر (ابو سوسن) كما تعودنا على مناداته او التحدث معه بهذه الكنية المحببة الى نفسه، عام 1975 في قسم التاريخ بكلية الاداب الواقعة في باب المعظم مكانها الحالي، وكان الرجل يشغل انذاك رئاسة قسم التاريخ في الكلية وكنت احد اعضاء هيئة التدريس فيه، فاذا بي امام رجل قد امتلأ علما ومعرفة،
زينه خلق كريم ناهيك عن رزانة ودماثة وحصافة رأي. وحين صحبته بعد ذلك بحكم رئاسته القسم وكنت مقررا له ازددت اعجابا بالرجل واكبارا له فهو الفاضل العالم المتمكن، كان ثر المعلومات غزير الافكار زانه حلم منقطع القرين، لم اجده يخفي عن سائله شيئا اذا طلب جوابا لمسألة، فاتحا قلبه مبتهجا تعلوه البسمة لكل طالب واستاذ في قسمه. كان رحمه الله محور القسم ومدار احاديثه، ولم يدع مشكلة الاّ ووجد لها حلا، وكانت مصلحة الاستاذ شغله الشاغل، ساعيا بكل ما يستطيع انصافه وازالة ما يعتريه هذه من منغصات، وعلى الرغم مما تعرض له من مضايقات فقد كان صلبا قويا لايخشى في الحق لومة لائم، ولم اجده خاضعا لسلطان سوى سلطان ضميره. وهو فيما احسب اول من نال درجة علمية اعني شهادة الماجستير بموضوع الثورة على الطغيان، فكانت رسالته المعروفة بـ(ثورة الزنج) والتي فتح بها اتجاها جديدا في معالجة الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية الممهدة للثورات بعامة، وثورة الزنج بخاصة. وارخ للحمدانيين دولتهم بجزءين كبيرين تحت عنوان (الدولة الحمدانية) لم يستطع احد ان يسير على منواله او ينهج نهجه، او يسلك طريقه وعرضه لتاريخ الحمدانيين ودولتهم. ولم يغفل الدكتور فيصل السامر – رحمه الله – جهود اسلافنا من المؤرخين ومنهم ابن الاثير فافرد له كتابا باسلوبه الشائق الجميل الممتع فخلد به ذكره. وكان رحمه الله، معجبا بمناطق المشرق الاقصى وهي من احب الاماكن الى قلبه وخاصة اندونيسيا وجزيرتها الجميلة (بالي) التي سماها بالجزيرة الساحرة، والتي غالبا ماكان يلهج بذكرها، ويقص علينا اخبارها حين تأنس نفوسنا الى الراحة، فائق كتابه عن العلاقات التي قامت بين هذه المناطق ومناطق العالم العربي. لم يكتف ابو سوسن بالتأليف فحسب، بل انكب على التحقيق ونشر النصوص، وكان له باع كبير في هذا الباب، وعيون التواريخ لابن شاكر الكتبي باجزائه المتعددة، والذي انجز تحقيقها خير مثال لما نذهب اليه، ناهيك عن البحوث والمقالات التي توزعتها المجلات العلمية في مختلف بلدان العالم العربي. وبعد، فالحديث عن المرحوم الدكتور فيصل السامر حديث جميل قل ان يجود الزمان بامثاله في علمه وخلقه وادبه وكريم شمائله، وهو يمثل الرعيل الاول من افاضل الاساتذة الاكاديميين. واذا كان لجامعة بغداد فخر فان الرجل في مقدمة العلماء الذين يجب ان تفتخر بهم وتعتز بذكراهم لما قدموه من خدمة للعلم واهله، بخاصة ولبلدهم بعامة. رحم الله ابا سوسن، فهو وان غاب بجسده لكن اسمه وشخصه تردده قاعات الدرس في الجامعات كلما ذكرت (ثورة الزنج) ودولة بني حمدان وغيرها مما كتب المرحوم الدكتور فيصل السامر وصنّف.
فيصل السامر والمنهجر العلمي في كتابة التاريخ
نشر في: 9 ديسمبر, 2009: 04:26 م